صراع الأفيش والتكنولوجيا.. شمس الدين بالعربي يقدم حلولًا عصرية إلى هوليوود


أعلن الفنان الجزائري شمس الدين بالعربي، أو شمسو بالعرضي كما هو معروف في الأوساط العالمية، انتهاءه من تصميم مُلصق فيلم «Bucks Of America»، وهو ما يُلفت الانتباه لتميز «شمسو» في دمج فن الرسم التقليدي مع بعض التقنيات الرقمية، لتلاقي إقبال صناع السينما في هوليوود على الاستفادة من أعماله بشيء من التقدير.
ولد شمس الدين بالعربي، في قرية عين تادلس في مدينة مستغانم غرب الجزائر، ظهرت مواهبه الفنية مبكرًا خلال فترة الدراسة، خصوصًا على يد معلمي مادة الرسم، ولكن مع ضغط الظروف المعيشية الصعبة، اضطر لترك الدراسة، ومعاونة أسرته في رعي الغنم.
يقول «شمس الدين»: «أحيانًا يعرضك الفن إلى بعض أشكال الاستغلال، لكنه استغلال جميل في كل الأحوال». فمنذ فترة نضوجه، أخذ قرارًا بالعمل كفنان، في البداية أنجز بعض الأعمال للافتات المحلات، وبعض أعمال الديكور، وإن كانت كلها لا يمكن اعتبارها مصدر دخل بالمعنى الحرفي، حيث لا يُقدر الفن في الأوطان العربية، وكثيرًا ما يتم تجاهل مسألة المقابل المادي للفنان إذا ما أُثيرت.
«مصرُ عاصمة فن الأفيش السينمائي، ومن المؤسف أن يتخلى المصريون عن هذا الفن ويهملوه». يقول «شمس الدين»، إن أكثر ما أثر في نشأته وأشعل شغفه بالرسم، هي تلك الملصقات لبعض الأفلام التي يصادفها كلما مر بجوار السينما، وأغلبها كان ينتمي للفنانين المصريين الذين برزوا فترة السبعينيات وظلوا يقدموا أعمالهم حتى نهاية التسعينيات، مثل حسن جسور، ومحمد عبد العزيز، وفاسيليو، ووهيب فهمي، وأنور علي، ومرتضى أنيس، وناجي شاكر، وسارة عبد المنعم، وغيرهم.
كان عندما يعود إلى المنزل يحاول تقليد ما رآه، ويرسم ويعيد الرسم حتى ينسخ ملصقات مماثلة تماما. يقول «شمس الدين»: «كنا نعيش في بيت واحد، نطبخ فيه، وننام فيه، وكنت أرسم في وسط هذا الضيق بصبر، زد على ذلك أن سقف البيت كان مكسورًا جزئيا، وكنا نعاني في فصل الشتاء، ولطالما استيقظتُ لأجد بعض قطرات المطر التي تسللت من السقف قد أتلفت رسوماتي».

فن الرسم أو الفن التشكيلي غير مقدر في الوطن العربي إلا على مستوى محدود وضيق للغاية. وهذه مسألة أزلية عانى منها عدد كبير من الفنانين. وبعد حرب طويلة نجح فيها الرسامون في سحب مجال صناعة ملصقات الأفلام من المصورين الفوتوغرافيين؛ فقد خدعت التكنولوجيا الجميع، وأوهمت العالم أنها تستطيع أن تحل مكان الإنسان في أداء مهام عدة، وتدريجيًا صارت ملصقات الأفلام يتم تصميمها رقميًا من الألف إلى الياء.
«لقد جعلت التكنولوجيا كل شيء متشابهًا»، هكذا يقول «شمس الدين»، ويفصل لضرورة إيجاد بديل لتغليب التكنولوجيا على كل شيء. يعتمد أسلوب شمس الدين بالعربي في تصميم ملصقات الأفلام على الطريقتين اليدوية والحديثة معًا، حيثُ يستلم الصور الفوتوغرافية، ويركب في المخيلة كيف ستكون الشخصية الأولى والثانية، ومن خلال قراءة السيناريو يستطيع تحديد طابع الفيلم الذي ينبغي أن ينعكس في الملصق. ثم باستخدام بعض البرامج الرقمية يتم دمج الصورة الفوتوغرافية والفن التشكيلي معًا في ملصق واحد.

«عندما أرسلتُ عددًا من أعمالي الفنية إلى بعض شركات الإنتاج السينمائي في هوليوود، عبر البريد؛ نعتني بعض الرفاق بالجنون، نعم أنا مجنون، ولكن لنتفق أولًا على ما هو الجنون»، يعتقدُ البعضُ أن المجنون هو الذي لا يستطيع أن يرى ما يراه الناس، ويقول شمس الدين: «ولماذا لا يكون الناس مجانين لأنهم لا يستطيعون أن يروا ما أرى؟». سؤال منطقي ومشروع، فالفنان أحيانا لا يملك سوى الكثير من الشغف، والقليل من الإجابات. وبالفعل بعد عدة محاولات، وصل مظروف صغير، به ورقة بحجم كف اليد، من منتج أرجنتيني يعمل بالشراكة مع عدد من الشركات في هوليوود، مكتوب عليها: يُسعدني التعاون معًا. ومن حينها انطلقت أعماله إلى المهرجانات الدولية مثل كان، وأوسكار، وبدأ يُشار في الأوساط الدولية بالبنان إلى «شمسو بالعرضي».
«اسمي بالعربية هو شمس الدين بالعربي، وينطق تخفيفًا شمسو بالعربي، ولكن هناك بعض الحروف قد يستعصي نُطقها على الغرب، وعندما رشحني المنتج الأرجنتيني لإجراء مقابلة صحفية لإحدى الدوريات الوطنية في الأرجنتين، كان أمامي حاجز اللغة الإسبانية، وكان المنتج هو الوسيط في ذلكن فكُتب اسمي شمسو بالعرضي، وصار معروفًا في هوليوود بهذا النطق».
وكالعادة لا يلتفتُ العالم العربي سريعًا إلى الفنان؛ إلا بعد أن يحصد اعتراف الغرب، ومؤخرًا أبدى عددٌ من المخرجين رغبة التعاون مع الفنان الجزائري المتميز شمس الدين بالعربي، آخرهم كان المخرج الجزائري أحمد بي، والمخرجة المصرية نيفين شلبي.
«بعدها جاء وفد من خبراء سينمائيين إلى الجزائر وكان رئيس الوفد الممثل العالمي RAMDAN GOURAD حيث كرموني في حفل كبير، على أساس إني آخر عربي وإفريقي مازال يصمم ملصقات الأفلام العالمية بالطريقة التقليدية، أي عن طريق الرسم مع بعض اللمسات الرقمية».
يستمر نجاح شمس الدين بالعربي، أو شمسو بالعرضي كما هو معروف في الغرب، ومؤخرًا تم تسجيل قصة حياته إلى جانب عمالقة السينما العالمية في كتاب أصدرته مؤسسة هوليود العالمية، يتناول صناع فيلم «Bucks Of America»، كما تم تسجيل اسمه في قاموس السينما العالمية IMDB.
