قصص ملهمةا ناجية من كورونا: لمستُ الموت لكنني قررتُ الحياة


تعد «إليزابيث» نفسها محظوظة، لأنها مازالت على قيد الحياة، بعد أن أصابها فيروس كورونا. خاصة وأنها في التاسعة والأربعين من العمر، ما جعلها تشعر أنها كانت على بُعد أنملة من الموت.
كان أول تلميح بأنني لست على ما يرام عندما شعرت بالتعب أكثر من المعتاد، لدرجة إنني ذهبت إلى الفراش منهكة جدًا. بدأت آلام ساقي، تناولتُ «الباراسيتامول» واشتد سعالي لكنه لم يكن مزمنًا، كما يعتقد الناس أنه دائمًا علامة الكورونا. لازمت الفراش لأكثر من أسبوع، بعد ذلك بمجرد خروجي -إلى محطة البنزين- اكتشفتُ إصابتي حيث عدتُ إلى المنزل وأنا أرتجفُ من البرد.
لدي أربع زجاجات ماء ساخن على الأريكة، وبطانيتان، ولم أشعر بالدفء، ثم بدأ جسدي يحترق، إضافة إلى الصداع، شعرتُ بالحمى، لم أستطع أن آكل أي شيء، أتقيأ، أتصبب عرقًا، ويصعب عليّ التنفس، وإضافة إلى أنني مصابة بالربو من الأساس، ازدادت صعوبة التنفس أكثر.
غياب عن الوعي
في غضون أيام، كنت أغيب عن وعيي، أتذكر اتصال ابني البالغ من العمر 15 عامًا بخط الطوارئ. عندما وصل المسعفون سمعت أحدهم يقول: «إنها في حالة سيئة للغاية، نحتاج إلى إحضارها». وضع عليَّ قناع أكسجين ونقلني إلى السيارة.
اتصل أحد أبنائي بوالدتي، التي شاهدتني بهذه الحالة وذلك من أصعب المواقف، شاهدت العجز على وجهها، إذ إنها لم تستطع الاقتراب مني؛ لأنها تعاني من مرض في القلب وستكون في خطر كبير إذا أصيبت بالفيروس.
وصلنا إلى المستشفى، انتظرت ثلاث ساعات؛ حتى جاء دورنا. وضعوني على كرسي متحرك وأتذكرهم وهم يقولون إنه ليس لديهم مقصورات، كانت ممتلئة.
جلست بعينين مغلقتين أستمع إلى كل شيء، الناس يندفعون في الأرجاء، ورنين الهواتف، والاضطراب العام.
قالت الممرضة: «لا بد من مسحك لكوفيد 19». لقد وضعت عصا المسحة في مؤخرة حلقي كدت أتقيأ، ثم استكملت: «الآن عليّ أن أفعلها في أنفك». تبع ذلك مجموعة من اختبارات الدم وفحص الصدر بالأشعة السينية.
«ماذا يحدث بحق الجحيم؟». هكذا كنت أفكر، شعرت بالإغماء. أتذكر ممرضة أخرى قادمة وأخبرتني: «لعلمك؛ أفادت نتائج الأشعة السينية أن لديك التهاب رئوي في الرئتين وعليك أن تكوني على الأكسجين على مدار الأربع وعشرين ساعة طوال أيام الأسبوع».
هذيان الفيروس
شعرت بأكبر قدر من الألم في صدري، كما لو كنت مضغوطة بألواح من الخرسانة. أخبروني أن الالتهاب الرئوي يصيب رئتي، وأعطوني جرعة من المورفين، تبع ذلك طعنات رهيبة في معدتي، سيئة مثل تقلصات الولادة، وصرخت: «لا يمكنني تحمل هذا بعد الآن! لا يمكنني الاستمرار! في الوقت الذي هدأت فيه الآلام، كنت على وشك الهذيان».
لم يكن هناك سوى أربعة أسرة في جناحي وقد ثبتت إصابتهم بفيروس كورونا، وكل منهم يعاني من مشكلة صحية أساسية. كانت هناك امرأتان مصاباتان بداء السكري، وتم إحضار امرأة ثالثة بعد يومين.
لا أتذكر الكثير من الأيام القليلة الأولى، فقط الممرضات يدخلن ويخرجن طوال الوقت، وعمال النظافة يطهرون كل شيء. أتت معظم الضوضاء من رنين الجرس واللهاث لمشروبات الماء. كنت ضعيفة جدًا، هذا كل ما يمكنني قوله، كنت أشاهد الممرضات كن جميعًا يعملن في نوبات لا تقل عن 12 ساعة. يمكنك أن ترى أنهم مرهقون تمامًا.
ذات ليلة؛ رأيت رجلاً في جناحنا المخصص للنساء فقط! قرعتُ الجرس وجاءت الممرضة وشرحت لي أنه ابن السيدة الموجودة في السرير المقابل لي، وأنها مريضة وفي نهاية عمرها. شعرتُ بالحزن الشديد عليهم، ولكن في نفس الوقت فكرتُ: «أمامي شخص على بعد ستة أقدام مني، ينتظر الموت وسأستمع إليه». لقد تم سحب الستائر حول أسرتنا، لنتمتع بقدر ضئيل من الخصوصية.
بدأت الهلوسة. تذكرتُ أحداث حياتي والأشخاص الذين قابلتهم حتى فكرت هل أنا حية أم ميتة؟ هل تعني هذه الذكريات أنني أنتقل إلى الموت؟ هل هذا ما يقصده الناس عندما يتحدثون عن حياتك تمر أمامك عندما تموت؟ ثم قلت لا، لا أعتقد أنني ميتة في الواقع، لأنه لا يوجد ضوء أبيض ولا ملائكة ولا أحد يناديني.
سرير فارغ أثر فيّ حقًا
ثم فجأة سمعت ممرضة خارج الباب تقول: «لقد رحلت». ماتت المرأة المسكينة أمامي. انتظرت أن يأتوا ليأخذوا جثتها، لكن لم يحدث شيء، ظلّ جسد تلك السيدة لساعات قبل أن يأتوا في النهاية. نظفوه ثم لفوه في بلاستيك، مثل العبوات. ثم وضعوها في كيس الجثث فأحدث جسدها ضجيجًا. لن أنسى هذا الصوت. بدأ أحدهم بتنظيف مكانها، ورش رائحة الليمون لتجديد رائحة الجو. بحلول النهار كنت أنظر إلى سرير فارغ. في اليوم السابق، كنت أنظر إلى شخص ما والآن كان السرير فارغًا. هذا الفكرة أثرت فيّ حقًا.
وبينما كنت أراقب المرأة في السرير المقابل لي، والتي دخلت في غيبوبة، أتت ابنتها قائلة بيأس: «أمي، هذه أنا! أمي، أنا!»، كان الأمر مثيرًا للشفقة؛ لأن المرأة غابت عن الوعي بالفعل. يبدو الأمر فظيعًا ومحزنًا للغاية، أما المرأة التي بجواري تحسنت، كنا من الجانب المحظوظ من الغرفة.
محاربة الفيروس من أجل الحياة
كافحتُ من أجل البقاء على قيد الحياة. كنت على وشك الاستسلام في البداية، لكني قلت لنفسي؛ لا.. يجب أن أعيش، لن أموت الآن.. لا زلت تسعًا وأربعين عامًا، لست مستعدة للموت، ليس فقط من أجلي لكن من أجل أولادي وعائلتي وأصدقائي. كانت أختي لورين وأخي ريتشارد يراسلاني باستمرار بالحب والدعم، وقد منحني ذلك الرغبة في محاربة الفيروس.
ذكرني مشهد اكتمال القمر ببداية دورة قمرية جديدة، أعتبرتها علامة على قرب التعافي. لسوء الحظ، ماتت المرأة الغائبة عن الوعي بعد يومين وتكرر نفس الأمر مرة أخرى: البلاستيك، السوستة، كيس الجثث، العربة والتنظيف.
ربما جملة واحدة أنقذت حياتي، قالها لي ممرض: «إذا أشار الأطباء بعودتك إلى المنزل، عودي! لا تبقين في المستشفى لأنك تشعرين بالضعف قليلاً. صدقيني، كل مريض في هذا الجناح أخبرته الأطباء أنه يمكنه العودة إلى المنزل وجادلوا بأنهم لم يتعافوا بنسبة 100 ٪ ويريدون ليلة أخرى في المستشفى.. لقد أخطأوا، لأن هذا جناح شديد الخطورة، وقد ماتوا جميعًا!».
في نفس اليوم، اختبرتُ مستويات الأكسجين في الدم، قال الطبيب: «لقد نجحتِ للتو.. أنا سعيد بخروجك»، كنت متحمسة جدًا لأنني سأعود إلى المنزل أخيرًا.
لقد لمست الموت وأنا محظوظة جدًا لكوني على قيد الحياة الآن سأتعافى كليا بعد أيام لكن ما أتطلع إليه الآن هو تقدير الحياة. أدركت أن الأشياء المادية لا تهم. خرجت واستنشقت الهواء ونظرت إلى الطيور واستمتعت بجمال الطبيعة، لقد مُنحت فرصة ثانية.
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on print