العلاج بالموسيقى.. أول مقهى متنقل لمرضى «ألزهايمر»

في تجربة هي الأولى من نوعها، أسست منى عيساوي الحاصلة على الدكتوراة في مجال العلاج بالموسيقى؛ أول مقهى متنقل في تونس لعلاج مرضى ألزهايمر في مختلف ولايات تونس وخاصة المناطق النائية.
تمثل تلك التجربة تحد من نوع خاص لـ”منى” وفريق عملها. إذ عمدت إلى نقل فكرة موجودة في الغرب منذ سنوات إلى واقعنا العربي. في محاولة منها لتخفيف وقع قسوة المرض الذي أصاب نحو 100 ألف مواطن تونسي من إجمالي 12 مليون نسمة.
منى: العجائز كالأطفال
تقول «منى» في حوار لها مع «الناس.نت»: «عندما كنت في زيارة إلى دار مسنين في تونس؛ رأيت هناك شخصية مرموقة، كان لها باع طويل في العمل العام والمجال السياسي. كان شخصًا ذا تأثير ونفوذ كبير. وجدته منزويا على نفسه في أحد الأركان، يشخص بنظره إلى اللاشيء، يعاونه طاقم من الممرضين والممرضات لممارسة بديهيات الحياة. تحول إلى طفل رضيع، فقد كل شيء: المال، النفوذ، والسلطة. كان بالنسبة لي مثالا صارخا لقسوة وصعوبة مرض ألزهايمر».
قبل حوالي 8 سنوات؛ وأثناء دراستها في المعهد العالي للموسيقى في تونس، دعتها صديقة إلى زيارة بيت لرعاية كبار السن ممن يعانون من مرض «ألزهايمر».
كانت الزيارة بمثابة باب صغير للدخول في عالم مرضى ألزهايمر، شعرت «منى» بآلام المرضى ومعاناتهم. رأت كبار القوم يتحولون لأطفال صغار، رجالًا ونساء كان لهم حضور طاغي في مجتمعاتهم؛ باتوا في لحظة أطفالًا يحتاجون إلى من يرعاهم.
تقول «منى»: «بالصدفة بدأ كل شيء.. شعرتُ بمعاناة كبار السن؛ وقررتُ أن أكون جزءًا من رحلة علاجهم. فأنا متخصصة في مجال الموسيقى بالتحديد آلة الكمانجة، وعلى دراية أن الغرب سبقنا في استخدام الموسيقى لعلاج المرض النفسي. ولذلك قررتُ أن تكون دراسة الماجستير الخاصة بي عن العلاج النفسي بالموسيقى».
يخطئ البعض في توصيف مرض «ألزهايمر» بأنه خرف كامل. إلا أن الخرف مجرد عرض من أعراضه. ولم يجد العلم -حسب منى عيساوي- علاجا دوائيًا فعالا للخرف الكامل. إلا أن العلاج النفسي جزء أصيل من رحلة التعايش مع مريض ألزهايمر.
«في البداية يتم دراسة السيرة الذاتية للمريض من خلال الحديث مع عائلته، أين أمضى طفولته ومراهقته لأن مريض ألزهايمر يتذكر الماضي البعيد ولا يتذكر الماضي القريب، ومن ثم يأتي اختيار الموسيقى». هكذا توضح «منى» اعتمادها على الموسيقى في متابعة حالة مرضى ألزهايمر؛ مرتبط بذكريات المريض، وليس بشكل عشوائي. موضحة: «الموسيقى تحكي له قصة عاش فيها في الماضي. لا يجب أن يتم عرض موسيقى تتعارض مع ثقافة المريض، لذا تتم دراسة سيرته الذاتية بشكل مفصل».
مقهى لمرضى «ألزهايمر»
كان إطلاق مقهى لعلاج مرضى ألزهايمر في تونس، مفاجأة للجميع، وخطوة تمت دراستها بشكل معمق خاصة في فترة الحظر بسبب تأثيرات فيروس كورونا. تقول «منى»: «لاحت لي الفكرة قبل نحو 6 شهور خلال أزمة فيروس كورونا، بدأت أفكر بشكل جاد، كيف يمكن أن أقدم المساعدة إلى مرضى ألزهايمر وعائلاتهم في المناطق النائية، لسببين الأول أن كلفة العلاج باهظة، والثاني أن البعض يرى في مرض ألزهايمر وصم مجتمعي ويحاولون اخفاء ذويهم عن العيون، لذا كان لابد أن يتم الوصول إليهم لعرض المعلومات الصحيحة عن المرض وكيفية التعامل معه».
يعمل المقهى المتنقل بشكل دوري كل شهر. ينتقل من مدينة إلى أخرى وخاصة المدن النائية التي لا تحظى باهتمام كبير ويضرب الفقر والجهل في جذورها. إذ تتم الدعوة عبر المنصات الاجتماعية ودور الثقافة والمكتبات العامة التابع لكل مدينة. لعمل عدة جلسات لمرضى «ألزهايمر» وذويهم، لتعريفهم أكثر بالمرض وخطورته وكيفية التعامل مع المريض في المراحل المختلفة من المرض.
عقبات لابد منها
ترفع منى شعار «لا أحكام على أحد». إذ ترى أن الجلسات العلاجية والتعريفية بالمرض تتعلق بالاحتواء النفسي والتثقيفي عن طبيعة المرض. وفي أغلب الأحيان لا يتم تشخيص المرضى بشكل واضح.
وتواجه «منى» العديد من التحديات لمحاولة إثبات نفسها. ومازال التحدي الأكبر في مسيرتها هو إثبات مدى ضلوعها في العلاج بالموسيقى، والحصول على الدكتوراة في ذلك التخصص. موضحة: «أنا طبيب مشكوك في لأنني لا أكتب علاجات كيميائية. فأنا تخصصي في الصحة النفسية، ولذلك لا أصف لمرضاي وصفات دوائية».