هل يخرج العالم من جائحة كورونا بحس الأمومة؟

دراسة بريطانية: النساء أفضل من الرجال في قيادة أزمة وباء كورونا!
إذا كنت تستنكر إصرار والدتك على شراء قميص أوسع قليلا من حجمك. أرجو أن تعيد النظر في استنكارك، فيبدو أن قرار والدتك هو الأكثر حكمة. ففي الوقت الذي ترغب أن ترتدي ملابس تلائمك تماما، تعلم هي أن وضعها في الغسالة مرة واحدة سينقص حجمها بضع سنتميترات. وسينتهي بها المطاف في ركن حزين في الدولاب دون أن ترتديها مرة أخرى!
في ظل جائحة كورونا؛ تتبع الأمهات والزوجات هذا الأسلوب وإن بدا مستفزا في المواقف اليومية العادية. فقد أثبت فعالية غير عادية على المستوى العالمي حين طبقته قيادات نسائية في ظل جائحة كورونا.
هناك ١٩ دولة فقط في العالم تقودها سيدات، من أصل ١٩٤ دولة بالعالم. هؤلاء السيدات ربما لا نعرف أسماءهن أو صورهن أمام أسماء وصور القيادات الرجالية لدول قوية ومتينة. لكنهن استطعن خلال الربع الأول من أزمة وباء كورونا أن يثرن حسد باقي الدول بسبب الحسم والقوة الواضحين في إدارة الوضع الوبائي منذ اليوم الأول.
ربما مجرد صدفة
تمكنت كل من أوما كامبهامباتي (Uma S Kambhampati) أستاذة الاقتصاد بجامعة رييدينج البريطانية. و سوبريا جاريكيباتي وSupriya Garikipati أستاذة مشاركة في اقتصاديات التنمية بجامعة ليفربول البريطانية. من دراسة سلوك القيادات النسائية والرجالية للدول بشكل علمي ودقيق. والدول ذات القيادات المشتركة (الرئيس رجل، ورئيسة الوزراء امرأة، أو العكس). وحددتا فيها صاحب القوة التنفيذية بناء على نظام الحكم في الدولة، فالدول البرلمانية تقودها رئيسة الوزراء مثل أنجيلا ميركل في ألمانيا. والدول ذات النظام الرئاسي تقودها رئيسة الدولة مثل تساي إنج-ون رئيسة تايوان.
قابلت هذه الدراسة مشكلة معقدة، وهي أن الدول التي تقودها النساء تمثل أقل من ١٠٪ من الدول التي يقودها الرجال، وبالتالي فإن القياس لن يكون دقيقا أبدًا.
تقول أوما كامبهامباتي: «حددنا أولا الدول ذات القيادة النسائية بشكل دقيق من حيث مستوى الاقتصاد، وعدد السكان، ومن هم فوق ٦٥ عامًا، وإنفاق الفرد على الصحة سنويا، ثم مطابقة هذه الدول بمثيلاتها من اللاتي يقودها الرجال، هنا اتبعنا منهجَ (أقرب جار) للوصول لمقارنة علمية صحيحة».
نتائج مذهلة لصالح النساء
أظهرت النتائج – التي تم رصدها حتى ١٩ مايو الماضي- أن أداء البلدان التي تقودها النساء كان أفضل؛ لاسيما قلة أعداد الوفيات. وأن قراراتهن بالإغلاق الكامل في ظل جائحة كورونا كانت أسرع. في حين اتسمت تصريحات الرجال وأسلوب قيادتهم بالمخاطرة بالأرواح حفاظا على معدل الأداء الاقتصادي للدولة، مثلما صرح الرئيس البرازيلي «بولسونارو» إن كورونا مجرد زكام خفيف. وقال بورس جونسون رئيس الوزراء البريطاني إنه لم يكن خائفا وصافح الجميع أثناء زيارته إلى مستشفى العزل.. ولكن ماذا حدث بعدها؟ لقد أصيب الرجلان بالوباء!
«وضعنا متغيرات كثيرة لنصل إلى تطابق كامل بين الدول ذات القيادة النسائية ونظيراتها بقيادة رجالية». هكذا تقول البروفيسورة أوما عما لفت انتباهها شخصيا في النتائج، موضحة: «وصل الأمر إلى ٧ متغيرات، وحتى على هذا المقياس المليء بمتغيرات اقتصادية وديموقراغية، كانت القيادات النسائية هي الأفضل». ثم ضحكت وقالت: «أتمنى ألا أكون قد أخطأت في شيء».
يبدو أن القادة الرجال مالوا للتقليل من خطورة الوباء؛ لضمان استمرار المواطنين في العمل، في حين أدارت السيدات الأزمة بحس الأمومة. هذا الإحساس الذي يدفع المرأة لأخذ مناديل ورقية وملابس وأطعمة وبعض الأدوية في نزهة خلوية بسيطة، في حين ينزل الرجل بالشورت والقبعة!
لا يمكن الجزم إذا كان أداء السيدات سيتسمر حكيما وحاسما حتى يغلق العالم صفحة جائحة كورونا نهائيا. مازال الوقت باكرا جدا على حسم ذاك، ربما يكون أداء الرجال هو الأفضل إذا هجمت موجة ثانية أو ثالثة. ولكن ما الذي نحتاج دراسته أو تحليله لنقف بشكل دقيق على اختلاف تفكير الرجل عن المرأة حين يتولى القيادة؟
ما طرحته البروفيسور أومّا، حول ضرورة البحث عن السمات التي تشكل القائد الناجح، دفعنا لعمل تجربة بسيطة، وهي استضافة ثلاثة رواد أعمال ناجحين في مجالات مختلفة، وطرحنا عليهم بعض الأسئلة لمعرفة ركيزتهم الأساسية في إدارة أعمالهم.
الأرواح أولا ثم نفكر في الخسائر
تكتب على صفحتها عبر «فيسبوك»: «أنت هنا لسبب ما، هو أن تحفظ روحا أخرى».
تقول هبة راشد، رئيسة «مؤسسة مرسال» لتقديم الخدمات الطبية لغير القادرين، إن «مرسال» تفاعلت مع وباء كورونا بشكل تدريجي. بدأ الأمر بحملات توعية في المناطق المتضررة من السيول التي ضربت مصر في شهر مارس الماضي. ثم وزعت كمامات وأدوات تعقيم، وأطلقت حملات توعية للمواطنين بوجود وباء تنفسي قادم، وإجراءات الوقاية منه. ظلت الأمور تحت السيطرة، حتى انفلتت أعداد الإصابات والوفيات في مصر في شهري مايو ويونيو.
«هنا انقسمت وجهات النظر بشكل كبير داخل المؤسسة بيني وبين زملائي الرجال». تقول هبة إن مديري بعض الأقسام في «مرسال» من الرجال اختلفوا معها في قرار دخول المؤسسة مغركة «جائحة كورونا»، وتوفير أجهزة تنفس صناعي، وتخفيف العبء على القطاع الصحي الحكومي. كانت وجهة نظرهم أن المؤسسة بمواردها المالية والبشرية لن تصمد إذا شاركت في مكافحة هذا الوباء. فهناك دول بأطقم طبية كاملة انهارت تماما أمام جبروت كورونا. لكن هبة كانت ترى أن إنقاذ روح واحدة بتوفير جهاز تنفس صناعي، أو توفير دواء هو تحقيق لقيمة المؤسسة الحقيقية، حتى لو تجرعوا الخسارة بعد ذلك.
تبتسم هبة قائلة: «سأكون صريحة معكِ.. بواسطة إكسيل شيت يقارن دخل المؤسسة بمصروفاتها؛ كان قرار المديرين الرجال صحيحًا. لكن بالحسابات الإنسانية وإنقاذ الأرواح؛ أعتقد أن قراري كان صائبًا».
القيم هي القائد
تقول سارة عزيز، مديرة مؤسسة safe، إنها تمارس العمل التطوعي بشكل منتظم لتعليم القراءة والكتابة، وتسويق المنتجات اليدوية في مناطق مهمشة. وأنه لفت انتباهها حديث الفتيات عن التحرش الجسدي من جانب ذويهم يوميا، وكأنه أمرٌ عادية.
«تخيلي أن أغلب الانتقادات والسخرية التي قابلتها كانت من نساء! التقليل والتهميش مما أقوم به، إنكار وجود التحرش أصلا. انتقاد كبير لنا إننا سنفتح عيون الأطفال على حاجات عيب!».
تركت سارة وظيفتها المرموقة في إحدى الشركات السياحية، وقررت تأسيس منظمة للتوعية ضد التحرش بالأطفال، رغم ما قابلته من صعوبات مادية ومعنوية. وتوضح سارة إن إدارة الأعمال التي تنهض على التوعية بالقيم العليا يتطلب إدارة تعتمد على التواصل الجيد والتفاهم، وأن يؤمن الجميع بنفس القيم لضمان الاستمرار. مؤكدة: «أحرصُ على كتابة قيم المؤسسة على الحائط لنتذكرها دائما، أحاول أن يكون هناك دائما مهام وأهداف نصل إليها، فالانشغال الدائم للعاملين يجعلهم أكثر تركيزا وبُعدا عن الصراعات الجانبية أو هوامش الأمور».
ولكن إذا واجه المرء حيرة الاختيار، تحت ضغط الأزمات الاستثنائية مثل وباء كورونا، أيهما سيختار أن ينقذ أولا: الاقتصاد أم الأرواح؟
«أنا امرأة تحليلية، ودائمًا ما أُخضع الأمور لحسابات المنطق». تصمت سارة قليلا، ثم تقول: «أعتقد أنني كنت سأفكر في الأمان للبشر بشكل عام. قد يتمثل ذلك في إنقاذ الأرواح، حتى لو بشكل مؤقت. لكننا لا ننكر أبدًا أن لقمة العيش هي الأمان أيضا لرب المنزل.. وأعتقد إنني أفكر أغلبَ الوقت في إنقاذ أكبر عدد من الأرواح».
توافقات جندرية لإدارة أكثر سلاسة
ترك إبراهيم ناجي الطب، واتبع شغفه بالطعام والإدارة، ليفتتح سلسلة مطاعم شهيرة بالقاهرة، والتي تضم أكثر من ألف عامل وموظف. وتمكن خلال ظروف الجائحة أن يدير سلسلته بنجاح في ظل الغلق الإجباري والتهديد بخسارات فادحة.. بل وافتتح فروعا جديدة!
«أفكر أولا في البشر الذين يعملون معي، هم الثروة الحقيقية. وحين تفرض الظروف أزمات مالية مثلما حدث في ظل الجائحة، سأجد رجالًا أعتمدُ عليهم. يجب أن نفكر بهذه الطريقة حتى نستطيع السيطرة على الشقين المادي والبشري في وقت الأزمات». هكذا يوضح «إبراهيم» كيف لم يخترْ عزوته وفق معايير البيزنيس فقط، بل لمدى توافق أحلامهم مع حلمه وشغفه بالطبخ.
ويبدو أن “عِزوة” إبراهيم؛ اقتصرت على الرجال بشكل كبير، في حين مُنحت النساء وظائف أخرى مثل الموارد البشرية. مُفسرًا ذلك بأن مجال المطاعم يعتمد بشكل رئيسي على «الصنايعية»، أي الطباخين والجزارين والفطاطري والخباز، وهو ما سيكون شاقا على امرأة أن تديره أو تقوده. ربما تنجح؛ لكنها ليست دائمًا أفضل نموذج. مؤكدًا: «أعتقد أنها ستتخلى عن جانب كبير من أنوثتها وحياتها الاجتماعية. لا أقول إنها حتمًا ستفشل، لكنها ستكون مهمة شاقة عليها».
ربما يعتبر اختلاف المرأة عن الرجل سنة كونية لو صح التعبير. لكن توظيف هذا الاختلاف للصالح العام هو الجزء الأهم الذي يتطلب مرونة حقيقية من كليهما في تسليم الدفة لمن يصلح للقيادة حسبما يتطلب الأمر.