حكايا ناس

حكايات البيوت الأثرية2│جاير آندرسن.. الإنجليزي الهائم في رحاب السيدة

في شارع أحمد ابن طولون في حي السيدة زينب، ينهض بيت عريق الطراز، يعود إلى الحقبة العثمانية، وعليه لافتة: متحف جاير آندرسن. يقع بجوار مسجد أحمد بن طولون في حي السيدة زينب. وتعود تسمية البيت إلى الرائد الإنجليزي جاير أندرسون باشا. والذي أقام في ذلك المنزل في الفترة بين 1935 و1942 بإذن خاص من الحكومة المصرية.

يُشار إلى بيت جاير آندرسن كونه أحد أفضل الأمثلة المحفوظة للعمارة الإسلامية الباقية في القاهرة، والتي تعود إلى القرن السابع عشر. ويضم مجموعة كبيرة من الأثاث والسجاد والتحف العتيقة والثمينة.

يعود تاريخ بناء البيت إلى العصر المملوكي حوالي العام (1040 هـ/ 1631 م). وقد بناه الحاج محمد سالم الجزار من قطعتين تم بناؤهما باستخدام الجدار الخارجي لمسجد ابن طولون. ويقع الجزء الأكبر من المنزل ناحية الشرق. بعد سنوات من بنائه؛ استحوذت عليه امرأة مسلمة ثرية من جزيرة كريت. وأصبح المنزل معروفًا على نطاق واسع باسم بيت الكريتيلي، أو “بيت المرأة الكريتيّة”.

أما الجزء الأصغر من المنزل يقع إلى الغرب قليلًا، وقد تم بناؤه على يد عبد القادر الحداد.  ثم عُرف البيت فيما بعد بـ “بيت آمنة بنت سالم”. نسبة إلى آخر مالك معروف لها. تم ربط المنزلين بجسر في الطابق الثالث. وكلاهما يُعرفان معًا باسم بيت الكريتلية.

كان بناء المنازل الخاصة مقابل الجدار الخارجي للمسجد ممارسة شائعة ، مع إمكانية الوصول إلى المنازل والمسجد عبر الشوارع الضيقة. يُذكر أنه في أوائل القرن العشرين ، لم يكن بالإمكان رؤية مسجد ابن طولون من الخارج بسبب البيوت. في عام 1928 ، بدأت الحكومة المصرية في إخلاء المنازل ، التي كان الكثير منها في حالة سيئة للغاية ، بعيدًا عن المسجد كجزء من خطة لجعل الآثار الإسلامية المهمة أكثر سهولة. لكن لجنة الحفاظ على الآثار العربية اعترضت على هدم بيت الكريتلية على أساس أن المنزل كان بحالة جيدة للغاية. ظل المنزل سليما ، وأجريت إصلاحات على الجدران الجانبية لتقويتها بعد هدم المنازل المجاورة.

في عام 1935، مُنح الرائد جاير أندرسون، وهو ضابط إنجليزي متقاعد، ويصف نفسه مستشرقًا؛ تصريحًا بالإقامة في المنزل الذي تم ترميمه للتو. أشرف جاير أندرسون على توصيل الكهرباء في المنزل، وترميم أعمال السباكة به، والنوافير والأرصفة، وأجزاء أخرى داخلية، دون التأثير على البنية المعمارية العريقة للمنزل.

حرص الرائد جاير آندرسن على إثراء المبنى بالعديد من مقتنياته الشخصية والأعمال الفنية والمفروشات والسجاد. وأنشأ على نهر النيل بالقرب من المنزل؛ قاربًا شراعيًا لجمع هذه التحف من جميع أنحاء مصر. وفي عام 1942، أجبره المرض على الرحيل عن مصر. وحينها توجه إلى الحكومة المصرية، وتنازل المنزل وكافة مقتنياته الأثرية. وفي المقابل منحه الملك فاروق الأول لقبَ باشا. وما هي إلا سنوات قليلة بعد الرحيل غير المرغوب عن أرض الحضارة؛ حتى توفي السير جاير آندرسن في إنجلترا عام 1945م.

يشغل متحف جاير آندرسن حاليا رعاية خاصة من المجلس الأعلى للآثار في مصر. ويعتبر من أشهر البيوت الآثرية الكائنة في حي السيدة زينب. وقد مثل مزارًا سياحيًا ومقصدًا لتصوير بعض الأعمال السينمائية مثل الفيلم الأمريكي الشهير «The Spy Who Loved Me» وهو أحد أفلام سلسلة جيمس بوند.

ينقسم المنزل إلى نصفين: الحرملك أو مسكن الأسرة. والسلاملك وهو الجزء المخصص لاستقبال الضيوف من الرجال. والمعروف أيضًا باسم بيت الضيافة. وللمنزل خمسة مداخل رئيسية، واحد للسيدات. وسبيل، ومدخل عبر الحديقة، وبابان للشرف الرئيسية.

الحرملك

فقط يستطيع صاحب المنزل، وأفراد الأسرة التواجد في هذا الجانب. فقد شاع في الدولة العثمانية؛ عزل الحريم في جناح ضخم ملحق بالمنزل. وقد يضم الحرملك الزوجات، والوالدة، والقريبات من النساء، والجواري. وفي قصور السلاطين؛ كان الحرم السلطاني في الباب العالي يأخذ مساحة كبيرة تضم ما يزيد على 400 غرفة. فهو يضم مرافق متعددة من مطابخ وحمامات وصالونات ومكتبات وحدائق. لخدمة أسرة السلطان وجواريه، والموظفات، والخادمات.

فناء

تطل نوافذ الحرملك على فناء أرضيته من الرخام الخالص. ويتصل الفناء بالحرملك وكل من أقسام البيت عبر درج جانبي. ويشتمل الفناء على بئر يبلغ عمقه حوالي 15 مترًا، يُعرف بـ بير الوطاويط. ولم تكن السلالم سمة مألوفة في العمارة الإسلامية. بل تم استخدامها فقط في المنازل. وعلى جدران الدرج الرئيسي؛ تم تعليق سلسلة من الكاشان الفارسية، والمعروفة أيضًا باسم شنق الصلاة المخملية.

غرفة الاستقبال أو المقعد

تطل على الفناء غرفة استقبال، أو المقعد كما شاع تسميتها في ذلك العصر. وهي مكشوفة للهواء الطلق. تحتوي على أوعية نحاسية تعود إلى فترة ما بين القرن الرابع عشر والسابع عشر. وقد شاع في البيوت ذات الطرز المملوكية “الدوركة” وهي ممر من باب إلى آخر، أو ردهة صغيرة مخصصة كي يضع فيها الضيوف أحذيتهم قبل الوصول إلى المقعد.

غرفة القراءة والكتابة

توجد في البيت غرفة صغيرة للقراءة والكتابة. تتزين جدرانها بالعديد من تصاوير الزهور الصينية وورق الأرز. ورغم ذلك إلا أن بها رفوفًا مستوحاة من التصاميم الإسلامية.

تستخدم الآن غرفة القراءة والكتابة في بيت جاير آندرسن كغرفة مكتب لأمين المتحف. وبها جزء أيضًا كغرفة للاطلاع والدراسة. ويمكن اللجوء لمكتبة المتحف من قبل المهتمين بالبحث عن كتب السفر على وجه التحديد. لهذا السبب، تم تأثيث الغرفة بطاولات ومقاعد طويلة. كما تحتوي الجدران على صور وأمثلة قديمة لرسومات وكتابات مصرية.

حديقة السطح

تم تحويل سقف بيت الكريتلية المسطح إلى حديقة على السطح المُحاط بالمشربيات. وتعود تصميمات هذه الحديقة إلى أصول قبطية. وتعكس رموز مسيحية مثل الصليب. ويعتبر هذا نادرًا جدًا نظرًا لأن الأمثلة الأخرى الوحيدة للمشربيات المسيحية موجودة في المتحف القبطي، وكذلك في بعض المنازل القديمة في القاهرة القديمة.

وتوجد العديد من الغرف في البيت، منها الغرفة الفارسية والتي مازالت محتفظة بالعديدمن المقتنيات التي تعود للحضارة الفارسية أو فترة شاه عباس. باستثناء سرير أنشأ في مصر، وأريك نسخة طبق الأصل من الأريكة المصرية القديمة ولها أرجل مثل أرجل الثيران.

وكذلك الغرفة المصرية القديمة، وهي في الأصل الغرفة التي كان يفضل جاير أندرسن الدراسة والبحث فيها. وما زالت تحتوي على بعض القطع المصرية القديمة. وبعض الأشياء الجديرة بالملاحظة. ومن الأنتيكات الثمينة في تلك الغرفة، بيضة نعام عليها خريطة مصر القديمة. وعلبة مومياء سوداء مذهبة، تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وتمثال لقطة مصرية قديمة من البرونز، بأقراط ذهبية.

أما الغرفة الأكبر في هذا البيت تسمى بغرفة محمد علي، وهي عبارة عن شقة عثمانية بجدران مزينة باللونين الأخضر والذهبي. تعود جميع الأشياء والأثاثات التي بها إلى عصر الروكوكو. وبها قطعة أثاث جديرة بالملاحظة وهي كرسي العرش. ويعود تاريخه إلى أحد الخديويين الأوائل، ويرجح المؤرخون أنه ربما يكون إسماعيل باشا. وتوجد أيضًا صورتان وطائر غناء ميكانيكي في قفص في هذه الغرفة. الطائر المغني هو إحدى ألعاب الحريم من اسطنبول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى