حكايا ناس

فضل شاكر.. المطرب الهارب من الفن إلى الجماعات الإرهابية

أصدرت المحكمة العسكرية اللبنانية الدائمة؛ مؤخرا، حكمًا بحق المطرب اللبناني المعروف بـ فضل شاكر بالسجن لمدة 22 عامًا. وهذا على خلفية قيامه بدعم وتمويل جماعات إرهابية في بلاده. كما جردته المحكمة من كافة حقوقه المدنية بعدما أُدين بالتدخل في أعمال جنائية نظمها مجموعة من الإرهابيين خلال الفترة الأخيرة.

لم يكن هذا الحكم هو الوحيد الذي قلب حياة فضل شاكر صاحب الحنجرة العربية الأكثر رقة وعذوبة في السنوات الأخيرة. ولكنه يواجه الآن حكما بالسجن لمدة 7 سنوات مع الأشغال الشاقة والتجرد من كافة حقوقه المدنية، وتغريمه 5 ملايين ليرة. وهذا لاتهامه بتمويل جماعة “أسير” الإرهابية التي نظمت عددا من العمليات القتالية في بلدة صيدا جنوبي لبنان في نهاية يونيو عام 2013.

بدأ نجم فضل شاكر يخفت منذ تورطه في جرائم إرهابية، وصار رصيده من محبة الجماهير العربية في خطر كبير. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سقط فضل شاكر صاحب الصوت العذب والإحساس المرهف شِراك الجماعات الإرهابية؟

مُطرب مرهف الحِس رفع قضية لتغيير اسمه

في الأول من أبريل عام 1969 وفي مدينة صيدا جنوب لبنان؛ كانت عائلة “شمندر” أحد أهم العائلات في تلك المنطقة على موعد لاستقبال الطفل “فضل شمندر” والذي عُرف فيما بعد بـ فضل شاكر. انتبهت العائلة إلى صوت فضل العذب منذ سنواته الأولى. وميله إلى “الدندنة” معظم الوقت والذي تطور إلى رغبة في الغناء منذ أن أتم عامه الخامس عشر. شارك فضل في إحياء الأفراح في بلدته وأعياد الميلاد والحفلات العائلية. واشتهر ببراعة أدائه لبعض أغنيات كبار المطربين، وعذوبة صوته التي لم يعهدها أهل بلدته من قبل.

الطريق إلى الجنسية الفلسطينية

أصبح الغناء ركيزة أساسية في حياة فضل شاكر، كلما سمع عن وجود حفل قريب من محيط سكنه يسارع إلى إحيائه. وأحيانا كان يتم طلبه بالاسم قبل أن يحترف الغناء ويلج إلى عالم الشهرة في تسعينيات القرن الماضي. وفي نهاية الثمانينيات كان يحيي حفله في “تعمير عين الحلوة” أشهر المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني. يقول «فضل» في أحد لقاءاته التلفزيونية: «كنتُ أغني على أسطح مخيمات الفلسطينيين حى ظنوا أنني فلسطيني؛ ولكني لبناني أبًا عن جد».

في تلك المرة وقعت عيناه على فتاة فلسطينية تدعى “ناديا”، كانت تتابعه وهو يغني لكبار مطربي وفناني العالم العربي. وكان الإعجاب متبادلًا فسرعان ما تكلل بالزواج. وأنجبا ثلاثة أبناء: ألحان ورنا ومحمد. ولوحظ أن “محمد” يمتلك صوتًا يشبه صوت والده ويرغب أيضًا في الدخول إلى عالم الغناء.

بدأت النجاحات تتوالى على فضل شاكر بعد زواجه، حيث أصدر أول ألبوماته الغنائية «والله يا زمن» عام 1998م. وأصبح من حينها يحتل مكانة متميزة بين مطربي جيله. وكانت أشهر أغنياته في تلك الفترة “الحب القديم” و”بياع القلوب” وسهرني الشوق” و”لو على قلبي” وغيرها. قدم قضل شاكر حوالي 12 ألبوم غنائي، وحقق بهم نجاحات منقطعتة النظير. وهذا ما دفع شركات الانتاج للتكالب للتعاقد معه. من ضمنها شركة روتانا التي رافقته في فترة ليست قصيرة من مشواره الفني. وخلال تلك الفترة منحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجنسية الفلسطينية.

واللافت للنظر أن فضل شاكر خلال تلك الفترة، لم يقحم نفسه في أية قضية أو موقف أو رأي سياسي. كان “ملك الإحساس” الصاعد إلى عرش الطرب بسرعة الصاروخ، كما وصفه معظم النقاد.

لماذا اعتزل فضل شاكر الغناء؟

كان اندلاع الثورة السورية في مارس 2011 له صدى كبير لدى فضل شاكر. فقد فوجئ الملايين من متابعيه في بداية عام 2012م بإعلانه اعتزال الفن نهائيًا، عبر قناة «الرحمة» الدينية. وقد أرجع «فضل» قراره ذلك إلى أسباب سياسية منها رفضه لسياسات الرئيس السوري بشار الأسد. وأسباب أخرى ترجع إلى تدني مستوى الذوق الفني والجمالي العام في البلاد. وقد جاء ذلك تزامنًا مع ثورات الربيع العربي.

السقوط في شِراك الجماعات المسلحة

في مداخلة هاتفية أجراها الإعلامي وائل الإبراشي في برنامجه «التاسعة» عبر الفضائية المصرية، مع الإعلامي اللبناني جمال فياض الذي ربطته صداقة قوية مع فضل شاكر قبل أن يشتهر في عالم الغناء. حيثُ أكد «فيّاض» خلال المداخلة على أنه على علم كامل بالسبب الحقيقي الذي دفع فضل شاكر للسقوط في أحضان الجماعات المسلحة. ويتورط في جرائمهم منذ 2012 وحتى هذا اليوم. موضحًا: «كان فضل يمر بمشاكل كبرى مع عائلته في مرحلة من مراحل عمره. واضطر كي يحمي نفسه من بعض أفراد عائلته أن يلجأ إلى جماعة مسلحة يقودها الشيخ “أحمد الأسير”. والذي أكد فضل بعد ذلك على أنه على علاقة قوية معه، من أجل حمايته».

كما لفت «فياض» إلى ان عائلته كانت مدعومة من قبل أحزاب ومليشيات قوية داخل لبنان. الأمر الذي جعل فضل شاكر يلجأ لمليشيات أكثر قوة وربما عنفًا أيضًا. بدأ فضل يغدق الأموال على هذه الجماعة مقابل حمايتهم له، وشعر حينها وهو في كنفهم بالارتياح. ولكن فضل شاكر بعد أن كشف تورطهم في أعمال من شأنها تهديد الأمن والاستقرار في البلاد شعر بالخوف على حد قول صديقه ولم يجد أحدًا معه. ولم يحضر المحاكمة فحُكم عليه غيابيًا بـ 22 عاما، وشدد صديقه المحامي على أنه إذا حضر المحكامة كان سيخفف الحكم إلى 3 أعوام فقط!

لم يكن الحكم الذي صدر منذ عدة أيام بالأول من نوعه؛ ففي عام 2013 قضت «المحكمة العسكرية اللبنانية» حكمها الغيابي أيضا بالسجن لمدة 15 عامًا على الفنان فضل شاكر. وأرجعت الحكم حينها إلى إدانته بعدد من التهم التي تتعلق بتمويل جماعات إرهابية مسلحة في جنوب لبنان. وجردته أيضًا من كافة حقوقه المدنية.

مقطع فيديو يناقض أقوال الصديق المحامي

في أعقاب الحكم على فضل شاكر بالحبس 22 عاما، وغرامة قدرها 5 ملايين ليرة لبنانية، وتجريده من كافة حقوقه المدنية. انتشر مقطع فيديو على قناة يوتيوب يظهر فيه الفنان فضل شاكر وقد أطلق لحيته ويقف خلفه عدد من الرجال الملتحين أيضا. وهو يتحدث بعبارات وصفها البعض بالبذيئة قائلا: «قتلنا فطيستين وهناك 16 جريحا والله يزيدهم». فيما راح الرجال الذين يقفون خلفه يقولون بنبرات تحمل الثقة: «أي شيء يصير للشيخ أحمد الأسير وفضل شاكر، سيكون الرد قويًا ومدويًا في كافة أنحاء صيدا وطرابلس والشمال اللبناني». وأرجع بعض المحامين السبب في حصول فضل شاكر على هذا الحكم إلى ذاك المقطع الذي يدينه ويكشف جليا تورطه مع عناصر ومليشيات مسلحة في الجنوب اللبناني.

العودة من الاعتزال بـ “غيب عن عيني” و “ابقى قابلني”

في الثلاثين من مارس عام 2018؛ ظهر فضل شاكر لأول مرة بعد خمس سنوات من الغياب. وأعلن عودته للغناء مرة أخرى عبر قناة «الجديد» اللبنانية، في هيئة مهندمة وهو حليق الذقن. ونافيًا ما تردد حول مشاركته في معركة «عبرا» المسلحة التي وقعت على يد جماعة الأسير التي دعمت فضل ودعمها لسنوات. ولكي يكسب المزيد من المصداقية في خطوته الجديدة هذه طرح أغنية باللهجة المصرية تسمى «ليه الجرح». ثم بعد ذلك تعاقد مع شركة «العدل جروب» لتقديم تتر مسلسل «لدينا أقوال أخرى» للفنانة يسرا. وأشار إلى أنه لن يغني في لبنان مرة أخرى؛ في خطوة وصفها البعض بـ “التوبة”.

وبعد حوالي عامين أطل علينا بأغنيتين صدرت الثانية في الخامس عشر من الشهر الجاري تحمل اسم “ابقى قابلني” والتي حظيت بملايين المشاهدات منذ إطلاقها على قناته الرسمية عبر يوتيوب. وقبل ذلك بحوالي خمسة أشهر أصدر أغنية باللهجة المصرية أيضا وهي “غيب عن عيني” وحققت نجاحًا كالذي حققته “ابقى قابلني”. وكان الأمر بمثابة “عربون محبة” ومصالحة عقدها “ملك الإحساس” مع جمهوره، ولكن مازالت القضايا والمحاكمات تطارده.. فهل يشفع الفن ومحبة الجماهير؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى