رغم الرحيل| وحيد حامد «دُرة باقية» على جبين الفن المصري

لم تمضي إلا ساعات قليلة على بدء عام 2021، حتى شهد فجر الثاني من يناير، رحيل الكاتب والسيناريست الكبير «وحيد حامد».
لؤلؤة إبداع فريدة
ورغم رحيل «وحيد حامد».. هذا السيناريست العبقري الذي يعد لؤلؤة ثمينة من لآلئ الإبداع الفريد في تاريخ السينما المصرية.. إلا أنه كان وسيظل درة باقية في حدائق الفنون الراقية، ونهر من العطاء الفني الذي لم ينضب ولم يغب عبر عقود من الزمان.
وعود لا تنقطع
وعود «وحيد حامد» لجمهوره لم تنقطع.. فقد ظل يعدنا ويفي بالوعد.. فدائما كانت مائدته عامرة بكنوز ساحرة وهدايا باهرة وثمار مدهشة من أفلام عظيمة المحتوى والقيمة والطرح.
واستطاع هذا العبقري أن يصدم الوعي في وعيه.. ويهز الأفئدة في أعماقها.. فيكشف الزيف ويسقط الأقنعة من فوق الوجوه الشمعية والعيون الزجاجية.
محارب شجاع
خاض «وحيد حامد» بشجاعة آسرة معارك دامية ضد التخلف والقبح والظلم الاجتماعي والفساد السياسي، وقفز فوق الأسلاك الشائكة واخترق كل الخطوط الحمراء.. فهو لم يجيد التنكر ولم تعرف المساحيق المضللة الطريق إليه.
لقد ظل «وحيد حامد» طوال تاريخه الفني الخصب يقف على يسار السلطة خلال ثلاثين عامًا من الحكم البائد يكشف عوراتها ويعري فسادها وينحاز إلى مجتمع الفقراء الذين يعانون من شظف العيش والظلم ويتوقون إلى عدالة اجتماعية مفتقدة في مجتمع طبقي بغيض.
واقع سياسي
أفلام «وحيد حامد» الشهيرة المتتالية التي قام ببطولتها الزعيم «عادل إمام» وأخرجها «شريف عرفة» مثل «الإرهاب والكباب»، «المنسي»، «طيور الظلام»، «اللعب مع الكبار»، «النوم في العسل».. بالإضافة إلى «البرىء» إخراج عاطف الطيب، و«الغول» و«الهلفوت» و«كشف المستور» و«عمارة يعقوبيان» و«ملف في الآداب».. تعتبر من أهم علامات السينما المصرية فى تاريخها كله.. حيث انتصر فيها لقيم العدل الاجتماعي.. وعالج قضايا الواقع السياسي وحقوق أبناء الفقر في حياة كريمة.. وتصدى لدعاوى التخلف والرجعية التي تمارسها الجماعات الإرهابية بجرأة بالغة.. والتي ما لبثت أن أعلنت الحرب عليه وعلى «عادل إمام».
معالي الوزير
كتب عن «معالى الوزير» فأمتعنا الموهوب «أحمد زكي» وهو يقول: «أُقسم بالله العظيم أن أحترِم هذه الصُدفة، أن أحترِم هذه الغلطة التى جعلتنى وزيرًا وأن أُحسِن استغلالها».
الراقصة والسياسي
وحفظنا سيناريو «الراقصة والسياسى» ولم ننسى كلمات الراقصة للسياسي: «كُل واحد فينا بيرقص بطريقته، أنا بهِز وِسِطى، وإنت بِتِلعب لسانك وتخُطُب»، كتب «محامى خُلع» فناقش ظاهرة الخلع بكل ذكاء.
مهارات فائقة
والحقيقة أن تلك الأفلام العظيمة التى صيغت بمهارة فائقة من خلال بناء درامى «تراجيكوميدي» استطاع فيها «وحيد حامد» أن ينتزع الضحكات من رحم تلك الأيام الصعبة ويفرج عن كروب البسطاء رغم أنهم مصلوبون على حائط الأحزان.
إنه تاجر سعادة البارع فى صياغة الضحكة وسط مدائن البكاء.. والموهوب في مزج المرح الخلاب بالخبز اليومي المبلل بالخوف والدموع.
لقد توحد المتفرجون مع سينما «وحيد حامد» وأحسوا أنه لسان حالهم ومتحدث باسمهم.. وشعر البسطاء أنه يشاركهم همومهم وكسرة خبزهم الجافة وأملهم فى غد أفضل حالًا يشعرون فيه بأمن ضد زمن غادر.
وفى الدراما التليفزيونية – ورغم قلة أعمال «وحيد حامد» بها «أحلام الفتى الطائر- أوان الورد- سفر الأحلام- العائلة- الجماعة»، فإنها تمثل قيمة كبيرة.. ولا تقل أهمية بمحتواها الفكري والفني عن كلاسيكيات التليفزيون المميزة والتي عقد بموجبها عقدًا مع المتفرج على التوحد والاندماج والاشتباك مع قضايا عصره الملحة.. وقد نجح في «الجماعة» نجاحًا كبيرًا في اختيار أسلوب السرد المناسب.. وصنع تلاحمًا عميق الدلالة بين الشكل والمضمون.. وأنشأ حوارًا ومواجهة بين زمنين.. وخلق توافقًا فكريًا بين الماضي والحاضر.. وجدلًا حيويًا متشابكًا بين ما فات وبين واقعنا الآنى بنوع من الاستشفاف والتنبؤ في غايات الجماعة وأهدافها.
التكريم الأخير
آخر ظهور للكاتب الكبير «وحيد حامد»، كان خلال تكريمه الشهر الماضي بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 42، حيث ظهر في حفل الافتتاح، فضلا عن تواجده في ندوة فنية كبيرة أدارها الناقد السينمائي طارق الشناوي، وحضرها عدد كبير من نجوم الفن منهم يسرا وليلى علوى ومني زكي وغيرهم.
شاهد على العصر
سيظل «وحيد حامد»- رغم الرحيل – يشي نبعه بوهج لا ينطفئ.. وسيظل شاهدًا على العصر.. وجوهرة تبرق في لياليه الضنينة.. منتصبًا كزهرة لوتس لا تنحني للأنواء.
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email