حكايا ناس

نوجين مصطفى.. لاجئة سورية تقطع 3500 ميل على كرسي متحرك

وُلدت نوجين مصطفى اللاجئة والناشطة السورية- الكردية مصابة بالشلل الدماغي. عاشت معظم سنوات نشأتها في شقة صغيرة في الطابق الخامس في مدينة كوباني، شمال سوريا. حيثُ اقتصر تواصلها مع العالم الخارجي من خلال شرفتها أو عبر شاشة التليفزيون. كانت تستيقظ كل يوم على صوت انفجار هنا أو تراشق رصاص هناك؛ بسبب الأوضاع السياسية المتأزمة في سوريا. ولكنها نجحت في الفرار من سوريا إلى ألمانيا على كرسي متحرك. قاطعة بذلك مسافة أكثر من 3500 ميل. واختارتها «بي بي سي» ضمن «100 شخصية مؤثرة وملهمة في العالم» لعام 2018.

 

"وُلدت

فرار من حروب سوريا نحو المغامرة

لم يمكنها مرضها من الذهاب خارج المنزل، ولا التعلم في مدارس سوريا بسبب عدم توافر مصاعد كهربائية، وصعوبة التنقل بكرسيها المتحرك. لكن لم يمنعها ذلك أن تتعلم. فقد ساعدها إخوتها في البداية على معرفة الحروف والأرقام، حتى استطاعت القراءة والكتابة بمفردها. ثم تولت تعليم نفسها عن طريق جوجل والتليفزيون ومتابعة المسلسل الأمريكي Days of our lives. إضافة لشغفها بقراءة القصص والروايات ومشاهدة البرامج العلمية.

وحاليًا أصبح لديها نهم للمعرفة ورغبة حقيقية في تثقيف نفسها. فبمجرد الاطلاع على موضوع تلتقطه فورًا وتحفظه. جمعت قدرًا هائلًا من المعلومات حتى اليوم الذي سنحت لها الفرصة للفرار من الحرب الأهلية في سوريا إلى ألمانيا حيث يعيش أخوها. بحثت في جوجل عن الطريق قبل مغادرتها حلب وكانت متحمسة للانطلاق. وتقول: «لم أشعر إنها مأساة بل كانت مغامرة علي أن أخوضها».

غادرت «نوجين» على كرسيها المتحرك بصحبة أسرتها -في عمر الخامسة عشر عامًا تقريبًا- ولكن لم يكن لديهم الكثير من المال فتعين على والدها البقاء في تركيا وغادرت نوجين مع أختها نسرين التي كانت تدفعها.

الفرار من سوريا إلى ألمانيا
الفرار من سوريا إلى ألمانيا

ماذا واجهت حتى تصل إلى الحرية؟

تروي نوجين ما واجهته أثناء تهريبها هي وآلاف آخرين في القوارب المسربة وعبور الأسلاك الشائكة وصولًا للحرية. في المجر مثلًا يبنون سياجًا كبيرًا، ويغلقون الحدود، لم يتمكن الكثير من الناس من العبور من صربيا. حاول ما يقرب من 3000 إلى 4000 شخص يوميًا العبور من بينهم كانت نوجين على كرسيها المتحرك. اعتقد الجميع أنهم سيتعاطفون معها لأنها على كرسي متحرك ويفتحوا لها الباب للعبور لكنهم لم يفعلوا ذلك.

في رحلتها من سوريا إلى ألمانيا، قطعت نوجين أكثر من 3500 ميل، كلها على كرسي متحرك. حاولنا استعراض خريطة طريق مختصرة بالعقبات التي واجهتها وكيف تغلبت عليها.

ألاف الأميال قطعتها على كرسي متحرك

تخيل معي فتاة لم تغادر شقتها في حلب مطلقًا بسبب عدم توافر مصاعد حيث تعيش ولم يتمكن أحد من حملها للنزول، لم تصعد يوما قطارًا أو طائرة أو حتى سيارة وتعبر حوالي ثمان دول لتصل إلى ألمانيا بتلك الظروف وبنقص الأموال والامكانيات. تخيلت! أليس مدهشًا!

سافروا شمالاً من حلب إلى مكان يُدعى منبج، وهي أول مدينة سيطرت عليها داعش. تم قطع رؤوس الناس، وأُجبرت النساء على ارتداء الحجاب، فقرروا الفرار. سافروا إلى تركيا ولكنهم، مثل العديد من السوريين، أدركوا أن هذه الحرب يمكن أن تستمر لفترة طويلة جدًا، لذلك قرروا القيام بالرحلة إلى أوروبا. لقد سافروا إلى إزمير، في شمال تركيا، حيث يبدأ معظم الناس لأن هناك الكثير من مهربي البشر الذين يمكنهم بعد ذلك نقلك في القوارب إلى اليونان.

يعد السفر على كرسي متحرك على تلك القوارب أمرًا خطيرًا؛ فعلى الرغم من أن هذه القوارب المطاطية تستوعب 15 شخصًا كحد أقصى، إلا إنه تم تجميع فيها بين 50 إلى 60 شخصًا. بالإضافة إلى معاقة  بكرسي متحرك معدني الذي يمكنه ثقب القارب في أي وقت. كان الوضع صعبًا بالفعل، فكان من الممكن أن يرمي الكرسي للحفاظ على توزان القارب. لكن لحسن الحظ لم يفعلوا.

أثناء نقل نوجين عبر القوارب
أثناء نقل نوجين عبر القوارب

غرق الطفل أيلان وقرب الوصول رغم العوائق 

في نفس اليوم الذي عبروا فيه كان ذات اليوم الذي هاجت ​​الأمواج على الشاطئ التركي، وغرق الطفل الصغير أيلان كردي، البالغ من العمر ثلاث سنوات. الصورة الشهيرة التي أثارت تعاطف وأسف العالم كله. تقول نوجين وشقيقتها إنهم لو علموا بذلك قبل عبورهم لما قطعوا الرحلة لكنهم نجوا.

هبطوا بعدها في جزيرة ليسبوس في اليونان أمضوا أسبوع حتى حصلوا على أوراق للذهاب إلى أثينا، ومن أثينا ذهبوا إلى سالونيكا ومنها إلى مقدونيا. هناك بدأت الحراس تسئم من دخول الناس وبدأت مقدونيا في إطلاق الغاز المسيل للدموع على الناس لإعادتهم، لكنهم تمكنوا من العبور ثم ذهبوا إلى صربيا. تمزح نوجين هي وأختها  قائلة كانت مهمتنا”الدفع أولاً بأول”. حيث تمثلت مهمتهم كل يوم في البحث عن أخرين ليستكملوا دفعها على الكرسي خلال الرحلة بأكملها حيث دفعها مرات سائقي سيارات أجرة وقطارات وغيرهم الكثير.

أثناء رحلتها إلى ألمانيا برفقة أختها
أثناء رحلتها إلى ألمانيا برفقة أختها

بعد 3500 ميل.. نوجين في ألمانيا

أحد الأشياء التي لا يدركها الناس عن اللاجئين أيضًا أن القيام بهذه الرحلة مكلف جدا. كلفتهم حوالي 6000 يورو. تحصل الأموال عبر ويسترن يونيون لم تكن عائلتها ميسورة الحال. اعتاد والدها بيع بعض الأغنام والماعز ، لكن شقيقها مصطفى ، أبلى بلاءً حسنًا في حفر آبار المياه وبيع السيارات. فقام بتمويل الجميع، ومن المفارقات أنه هو نفسه لا يزال عالقًا في سوريا.

عندما وصلوا إلى ألمانيا في سبتمبر 2015 قالت إنها شعرت بالحزن لأن الرحلة انتهت”فكرت أنها ستعود إلى حياتها القديمة، كونها الفتاة الحبيسة في الغرفة، غير القادرة على الخروج.”  لكنها التحقت بمدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة في ألمانيا، وتعلمت أشياء لا يمكن أن تفعلها في سوريا، مثل لعب كرة السلة على كرسي متحرك وارتداء الملابس بنفسها.

ألفت كتاب عن رحلتها الذاتية في الهجرة
ألفت كتاب عن رحلتها الذاتية في الهجرة

سيرة نوجين مصطفى في 13 لغة 

لم تتوقف نوجين مصطفى عند هذا الحد بل ألفت كتابًا باللغة الإنجليزية في أواخر عام 2016 بعد وصولها إلى ألمانيا حكت فيه سيرتها الذاتية وشاركتها فيه الكاتبة البريطانية كريستينا لامب. والذي تم ترجمته إلى 13 لغة عالمية، تحكي فيه نوجين عن الآلام وتستعرض التفاصيل المرعبة التي تعترضت لها عبر رحلتها حيث الهجرة والحرب وعبور الحدود.

يعد الكتاب رسالة لمعرفة ما يمر به اللاجئون الذين تركوا بلادهم رغما عنهم بسبب الحروب. حيث تشير نوجين مصطفى إلى أن اللاجئين بشرٌ يستحقون التعاطف معهم، لا الخوف منهم.

تستعرض أيضاً في الكتاب سوريا وكيف بدأت الأحداث وعن الحالة النفسية للأطفال والشيوخ والأبرياء عندما يتعرضون إلى العنف والوحشية والعيش في جو مليء بالصواريخ والأسلحة والطائرات والقذف والضرب والدمار.

تتحدث أيضًا عن رعبها من فكرة رمي الكرسي من القارب إلى البحر أثناء نقلها إلى ليسبوس اليويانية وعن اضطرارها للتعامل مع  المهربين عديمي الرحمة، تشير بأصابعها إلى قضية التشرد الذي يعاني منها كل اللاجئين حول العالم والمجهول الذي يرمون نفسهم فيه بانتظار أي يد تنتشلهم من الضياع. تقول بامتنان: تبادل بعض اللاجئين الأدوار لحملي مع كرسيي  المتحرك كأنهم من أفراد عائلتي.

تختصر نوجين رحلتها بجملة “لا تتحقق الأهداف بسهولة، يجب علينا أن نحارب من أجل الوصول إليها”. كانت هجرتي من الوطن رغم ألمي، رحلةً إلى حياةٍ جديدة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى