أشياء أخرى غير لهجتك تكشف عن موطنك
إذا كنت تعيش في الخارج، فهل التقيت ذات مرة شخصًا غريبًا لكنك شعرت أنه أحد أبناء وطنك؟ بالتأكيد لم تجد تفسيرًا للأمر سوى الحنين إلى الوطن أو افتقاد لقاء الأهل والأصدقاء. لكن هذا التفسير ليس صحيحًا، فما القصة وراء ذلك؟
ذات يوم لاحظت “هيلاري إلفينباين” شيئًا غريبًا وهي تتصفح بعض الأوراق البحثية القديمة، بدأت تركز في صور أحد الأبحاث وفي سؤال البحث للمتطوعين عما إذا كانوا قادرين على تحديد المشاعر في وجوه اليابانيين والقوقازيين. حيث كانت بعض الوجوه “اليابانية” من تصوير أمريكيون يابانيون، والباقي صورها مواطنون يابانيون.
تشكل لهجاتنا الطريقة التي نتحدث بها
عندما نظرت إلفينباين بنفسها إلى الصور، أدركت أنها تستطيع معرفة أيهما. وجدت مساعدتها، آبي مارش، أيضًا تستطيع ذلك. ألهمهم الأمر بإجراء تجربة! حيث وجدوا أن الأمريكيين الذين خضعوا للاختبار كانوا قادرين بشكل غريب على اكتشاف من هو ياباني ومن هو أمريكي ياباني، على الرغم من أنهم جميعًا يبدون متماثلون. ارتدائهم نفس الملابس، تصرفهم بنفس الطريقة والشكل، حتى وجوههم حملت تعبيرات محايدة، بالكاد يمكن التفريق بينهم لكن عندما أظهروا مشاعرهم، خاصة مشاعر الحزن، كأنه ظهر شيئ من اليابان أو أمريكا.
إن شاهدت فيلم Inglourious Basterds ، ستعرف أن الشعب الألماني والبريطاني يشيرون إلى الرقم ثلاثة بأصابعهم بطرق مختلفة. (يرفع الألمان إبهامهم وأول إصبعين؛ بينما يعلق البريطانيون إصبعهم الصغير بإبهامهم ويرفعون الباقي). لا يدرك معظمهم أن هذا الاختلاف موجود حتى يروا غريبًا عنهم. يقال إن فلاديمير بوتين يتدرب على أسلحته “الكي جي بي” بالطريقة التي يمشي بها.
اللهجات عير اللفظية
منذ اكتشافهما الأولي، وجد كل من مارش وإلفينباين المزيد من هذه “اللهجات غير اللفظية” حيث الطرق التي نُظهر من خلالها من أين أتينا دون أن ندرك. على سبيل المثال يمكن للأمريكيين اكتشاف الأستراليين من الطريقة التي يبتسمون بها أو عندما يلوحون بإيديهم أو يمشون حتى تعبيرات وجوههم أثناء النشوة الجنسية تحمل “لهجات ثقافية” مختلفة.
تدعم الأبحاث الحديثة النتائج التي توصلوا إليها. قام فريق من جامعة جلاسكو الآن بتدريب جهاز كمبيوتر للتعرف على أكثر من 60 لهجة غير لفظية مختلفة ثم محاكتها. غالبًا الفروق الدقيقة التي ميزت بينهم كانت في طريقة تجاعيد الأنف ورفع الشفة، لكن عندما عُرض على سكان شرق آسيا هذه التعبيرات المصطنعة تعرفوا عليها بسهولة أكثر من تلك “الغربية”.
تقول راشيل جاك، التي أجرى مختبرها البحث: “الأمر أصعب مما يبدو”. قبل أن يبدأوا، كان علينا تحديد الكلمات باللغتين الإنجليزية والصينية التي تشير إلى المشاعر المتطابقة تقريبًا. تقول جاك بالرغم من أن الروبوت يجب أن يكون قادرًا في النهاية على محاكاة الفروق الدقيقة لأي ثقافة وأي حدث في العالم إلا أنهم وجدوا في دراسة أُجريت العام الماضي أن حتى تعبيرات الوجه أثناء النشوة الجنسية تحمل لهجات ثقافية مختلفة يصعب على الروبوت تمييزها.
كما تدعي شركة التكنولوجيا الصينية Watrix أن برنامجها يمكنه التعرف على شخص ما من لقطات له وهو يمشي، بدقة تصل إلى 94٪.
نقرأ من لغة الجسد أكثر مما ندرك
في دراسة أجريت عام 2012 عُرض على مجموعة أشخاص صور لاعبي التنس تم التقاطها، عرفوا للتو ما إذا كان اللاعب فاز أو خسر من وضعية أجسادهم أكثر من وجوههم. كما أوضحت نسخة أخرى من الدراسة نفس النتائج، حيث أظهر طلاب الجامعات في هونج كونج أداءً أفضل عندما كان الرياضيون من شرق آسيا.
يتنبأ عالم الأحياء والمصور مارك موفيت في كتابه الأخير، The Human Swarm، بأن اللهجات غير اللفظية علامات اجتماعية ، تخبرنا بمن حولنا، في بعض الأحيان يبدو أنها تحمل معلومات أكثر تفصيلاً، وليست كلها موثوقة.
في دراسة كلاسيكية، وجد علماء النفس في جامعة برينستون أن المشاركين أجادوا اختيار الفائزين في الانتخابات بمجرد ما اختاروا من يبدو أكثر “قدرة” من الصور حيث أصبح الأطفال خبراء سياسيين جيدين عندما عُرضت عليهم نفس الصور وطُلب منهم اختيار “قائد” وهمي للعبة فيديو.
وجوه تكشف حياة أصحابها
من ناحية أخرى، تسجل بعض الوجوه معلومات حول الحياة التي عاشها أصحابها. عند عرض مجموعة مختارة من التعبيرات المحايدة، استطاع المشاركون في دراسة عام 2017 تمييز الأغنياء عن الفقراء بدقة من خلال صور عيون الشخص فقط، أفواههم. وبعد إجراء مزيد من البحث، توصلوا إلى أن الأغنياء يبدون أكثر جاذبية أو إيجابية مقارنة بالفقراء. عند عرض الصور التي ابتسم الجميع فيها وبدووا إيجابيين بشكل متعمد، فقد المشاركون قدرتهم على التمييز بين الأغنياء والفقراء.
قد تساعد هذه الإشارات الدقيقة في تفسير التحيز أو العنصرية التي قد تتسلل إلى تفكيرنا حول أشخاص معينة من خلفيات مختلفة. وقد يعطي هذا لهجة متفائلة للأميركيين المعاصرين. فمثًلا إن شهد مكان ما هجرة عالية وكافح الكثير من أجل فهم بعضهم البعض سيلجأون في الأخر إلى الابتسام وإظهار العواطف الطيبة لبعضهم البعض هذا حسب دراسة حديثة في جامعة ويسكونسن ماديسون. فعندما فحصتعبوا البيانات المتاحة، وجدوا أن الأشخاص في البلدان ذات “التنوع الكبير في الأجداد” ، بما في ذلك الولايات المتحدة، مبتسمون أكثر. حتى عند النظر إلى كل دولة على حدة داخل الولايات المتحدة، ظهر نفس النمط. إذا بدا الغرباء باردين و متعجرفون للأمريكيين، والأمريكيون يبدون البهجة بلا سبب لأي شخص آخر، ربما قد يفسر تاريخهم المتباين سبب تطور هذه القوالب النمطية.