47 ألف تغريدة لم تشفع لترامب.. قرارات الـ«بيج تك» تثير الجدل حول مصادرة الحريات
47 ألف تغريدة نشرها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب عبر “تويتر” وتفاعل مها الملايين منذ إنشاء حسابه على المنصة الاجتماعية العام 2009، قبل أن تلغي الشركة الحساب بشكل دائم.
وعللت الشركة قرارها في بيان رسمي بـ “خطر حدوث مزيد من التحريض على العنف”، بعد اتهامات لترمب بدفع مؤيديه لاقتحام مبنى الكابيتول “مقر الكونجرس” خلال أحداث شغب الأربعاء الماضي، بسبب إصراره على وصم الانتخابات الأميركية بـ “المزورة”.
وأتى قرار “تويتر” بعد تغريدتين للرئيس الأميركي، أشار في إحداهما إلى أنه لن يحضر حفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، وكتب في الأخرى “إن 75 مليون من الوطنيين الأميركيين العظماء الذين صوتوا لي، أميركا أولاً، ولنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، سيكون لهم صوت عملاق لفترة طويلة في المستقبل. لن يتم ازدرائهم أو معاملتهم بشكل غير عادل بأي طريقة أو شكل”.
وأوردت الشركة في بيان إنه “بعد المراجعة الدقيقة للتغريدات والسياق الحالي، علقنا الحساب نهائياً بسبب خطر حدوث مزيد من التحريض على العنف”.
وسبق قرار “تويتر” حظر شركة “فيسبوك” حسابات ترمب على منصتها “إنستجرام” و “فيسبوك” إلى أجل غير مسمى، فيما أعقب تلك الإجراءات، إعلان شركتي “جوجل” و”آبل” تعليق تحميل تطبيق “بارليه”.. المنصة التي لجأ إليها مؤيدو ترمب بعد أن تم تعليق حساباتهم على “تويتر” و”فيسبوك”، أو حظر تعليقاتهم ومشاركتهم في وقت سابق من العام.
وأقدمت “آبل” على الخطوة بدعوى “فشل التطبيق في إزالة المشاركات التي تحرض على العنف”، فيما أعلنت شركة “أمازون” أمس الأحد خطوة مماثلة.
ترحيب ديمقراطي
حظيت قرارات شركات التكنولوجيا الكبرى “بيج تك” بترحيب الديمقراطيين وعدد من وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية، التي طالما وصفها ترمب بالمزيفة.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومينثال قوله: “لقد تطلب الأمر دماءً وزجاجاً في قاعات الكونجرس، وتغييراً في الرياح السياسية، لتدرك أقوى شركات التكنولوجيا في العالم، في آخر لحظة ممكنة، التهديد العميق لدونالد ترمب”.
وبحسب شبكة “سي.إن.إن” الأميركية، فإن عدداً من قادة الحقوق المدنية، الذين طالما انتقدوا منصات التكنولوجيا لنشر خطاب الكراهية والانقسام، رحبوا بقرار “تويتر” وغيره من المنصات.
جدل حرية التعبير
لكن على الرغم من الترحيب بقرارات شركات التكنولوجيا الأميركية، التي شملت حسابات لشخصيات من المحافظين، إلا أنها أثارت جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة والعالم وصل إلى الشرق الأوسط، في شأن الرقابة التي باتت شركات التكنولوجيا تفرضها على المستخدمين، بما يتعارض مع حق أساس يرسخه الدستور الأميركي والدول الديمقراطية وهو “حرية التعبير”.
كما أن إقصاء ترمب من منصة “تويتر” جاء بموجب قرار منفرد من الشركة، وليس وفقاً لأمر قضائي يستند إلى الدستور، ما عده بعضهم جرس إنذار أو مؤشر خطيراً إلى ما تتجه له الأمور في ما يتعلق بسلطة هذه الشركات، فضلاً عن مواقفها المتباينة من فرض حظر على حسابات ترمب ومؤيديه، في حين تبقي على حسابات لجماعات إرهابية وشخصيات أخرى تحض على العنف.
وقال المتحدث باسم الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (منظمة ليبرالية) في بيان، “نتفهم الرغبة في تعليق ترمب بشكل دائم، لكن يجب أن يقلق الجميع عندما تمارس شركات مثل فيسبوك وتويتر السلطة المطلقة على إزالة الأشخاص من المنصات التي أصبحت لا غنى عنها، بخاصة عندما تجعل الحقائق السياسية تلك القرارات أسهل”.
وتقول باتريس لي أونوكا، وهى عضو منتدى المرأة المستقلة، مؤسسة بحثية في واشنطن، إن الناس من جميع جوانب الطيف السياسي يجب أن يشعروا بالذعر بدلاً من تشجيع شركات التكنولوجيا الكبرى، مضيفة في مقالة نشرتها شبكة “فوكس نيوز”، “من خلال الإجراءات الصارمة التي اتخذتها ضد الرئيس ترمب، لم يعد بإمكان شركات وسائل التواصل الاجتماعي التظاهر بأنها غير متحيزة وغير سياسية. ولا يجب عليهم ذلك”.
انتقادات
وعلى الرغم من انتقادها لترمب بعد أحداث “الكابيتول”، فإن السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، وصفت حظر حسابات ترمب من قبل شركات التكنولوجيا، بأنه “إسكات على طريقة الدول الشيوعية”.
وغرّدت هايلي، وهي إحدى قيادات الحزب الجمهوري التي تحظي باحترام واسع بين الحزبين قائلة، “إسكات الناس، ناهيك عن رئيس الولايات المتحدة، هو ما يحدث في الصين وليس في بلادنا”.
انتقادات هالي لعمالقة التكنولوجيا، اصطفت مع عدد من الجمهوريين الآخرين الذين انتقدوا أعمال الشغب وسلوك ترمب، ولكنهم أيضاً قلقون مما اعتبروه رقابة متزايدة من وادي السيليكون (المنطقة التي تجمع شركات التكنولوجيا في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية).
وحذّر النائب الجمهوري مات جايتس مما وصفه “استبداد” شركات التكنولوجيا الكبرى، وكتب النائب جيم جوردان أن “إلغاء الخطاب المحافظ لن يعزز الوحدة والشفاء في الولايات المتحدة التي تعاني انقساماً غير مسبوق”.
وعلى الرغم من احتفاء خصوم ترمب، من الحزب الديمقراطي، بخاصة جناح اليسار الراديكالي ممثلاً في النائبات ألكسندرا أوكاسيو كورتيز وإلهان عمر ورشيدة طليب، بقرار شركات التكنولوجيا، غير أنه على النقيض امتدت الانتقادات إلى خارج الولايات المتحدة، وبشكل لافت الجانب الروسي.
فزعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني، الذي تعرض أخيراً لمحاولة اغتيال متهماً الكرملين بتدبيرها، اعتبر أن حظر حساب ترمب على تويتر “عمل رقابي غير مقبول”، يمكن أن تستغله الحكومات القمعية حول العالم.
وكتب نافالني عبر حسابه على “تويتر”، “برأيي أن قرار حظر ترمب كان قائماً على الانفعالات والتفضيلات السياسية الشخصية”.
ودعا النائب الجمهوري الشاب ماديسون كوثورن إلى مواجهة رقابة شركات التكنولوجيا على المواطنين الأميركيين قائلاً، “إن رقابة شركات التكنولوجيا على المحافظين تشكل سابقة خطيرة وخرقاً للثقة”.
النفوذ السياسي والتحيز
في المقابل، يعود الجدل حول النفوذ السياسي الذي تلعبه شركات التكنولوجيا إلى سنوات سابقة، فلطالما شكا المحافظون من تعرضهم إلى الإقصاء من المشرفين على المنصات الاجتماعية التي تديرها شركات وادي السيليكون.
ففي 17 يوليو 2018، عُقدت جلسة استماع في الكونجرس وُجهت خلالها اتهامات لشركات “فيسبوك” و”جوجل” و”تويتر” بممارسات ذات دوافع سياسية تتعلق بإزالة بعض المحتويات.
وخلال الجلسة، انتقد نواب جمهوريون من تيار المحافظين شركات التكنولوجيا الأميركية في شأن ما سموه التحيز ضد التيار المحافظ، واستغلال آليات تنقية المحتوى السياسي في ذلك، وهي الاتهامات التي نفتها الشركات الثلاث.
واتهم رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، بوب جودلاتي، آنذاك، منصات التواصل الاجتماعي بالعمل على قمع وجهات نظر معينة، والتلاعب بالرأي العام.
من جهة ثانية، قُوبلت اتهامات المحافظين باستنكار ودفاع من قادة الحزب الديمقراطي في الكونجرس، لكن بعد تقارير في العام 2016 تفيد بأن موظفي شركة “فيسبوك” ربما قاموا بحذف أو إخفاء القصص والمنشورات لمؤلفين من التيار المحافظ في ميزة “الموضوعات الشائعة”، مما دفع بجهود ضغط واسعة من الجمهوريين بما في ذلك السيناتور جون ثون، إلى أن تجعل “فيسبوك” الميزة آلية بالكامل في أغسطس من العام نفسه، لمنع التحيز البشري المحتمل، ومن ثم أغلقت في وقت لاحق تماماً.
قمع انتقائي
تُبقي شركات التكنولوجيا على ممارسات الإشراف على المحتوى غير معلنة، ولا توضح معاييرها خلال العمل في عدد من القضايا الحساسة والدقيقة، وتقول إن عملية التنقيح تتم وفقاً لخوارزميات معينة.
هذا الجدل الذي تتداخل فيه السياسة بقوة لطالما طرح تساؤلات عدة تجاه النفوذ السياسي الذي تحظى به منصات التواصل الاجتماعي على مستخدميها، وهل آليات تنقية المحتوى تستخدم فقط في مكافحة المشين والعنيف، وما يتعلق بالكراهية والتحرش، أم تحولت إلى أداة سياسية لتوجيه الرأي العام وتعميق الاستقطاب السياسي داخل المجتمعات.
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email