حكايا ناس

اللي جاي أصغر مع عمر نمنم.. النحات القادر على طي العالم في جيوبك

في غرفته الصغيرة بإحدى قرى محافظة الشرقية؛ يمكنك أن تجد آينشتين، ومحمد صلاح، وأبطال شركة المرعبين المحدودة. وربما تجد سيارة أو سفرة بطعامها أو مطبخًا بلوزامه أو فيلا بكل محتوياتها. نعم؛ كل هذا وأكثر ستجده داخل غرفة النحات الشاب عمر الصالحي والشهير بـ عمر نمنم. 

تخرج عمر نمنم من كلية الزراعة جامعة الزقازيق. واحترف فن الديوراما، وهو فن تصغير المجسمات باستخدام خامات طبيعية. في اللقاء التالي، يفتح عمر نجم لـ منصة «الناس. نت» باب غرفة أسرار فن الديوراما، وكيف بدأ الطريق؟ وكيف يتغلب على المصاعب التي تواجهه؟

عمر الصالحي الشهير بعمر نمنم
عمر الصالحي الشهير بعمر نمنم
البداية

قبل خمس سنوات لم أكن فنانًا ولا لي علاقة بالفن من قريب ولا من بعيد. الحكاية بدأت بمساعدتي لأخي في عمل مشروع تخرجه في معهد السينما. المشروع كان عبارة عن عمل غرفة مصغرة؛ لتصوير فيلم «ستوب موشن». وفن «ستوب موشن» لمن لا يعرفه هو فن تحريك كل المجسمات المصغرة دون لمسها. بل عن طريق التقاط نحو 24 صورة للمجسم في الثانية الواحدة في كل أوضاعه المختلفة. فيصبح لدينا فيلم عادي يمثل فيه المجسمات المصغرة.

مروحة مجسمة مصغرة بفن الديوراما
مروحة مجسمة مصغرة بفن الديوراما

يقول «عمر»: «من أجل مساعدة أخي محمد الصالحي على إنجاز مشروع تخرجه، بحثت كثيرًا في فن الديوراما عبر الإنترنت. قرأتُ عنه وشاهدتُ الكثيرَ من الأعمال الأجنبية التي أبهرتني. عرفتُ أنه فنٌ كبيرٌ ومجالٌ مستقلٌ بذاته ويندر فنانوه ومحترفوه. لم أكن أدري أن تلك الصدفة القدرية ستشكل حياتي فيما بعد، وستكون سر احترافي لهذا الفن، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أنجذب بتصغير كل ما تقع عليه عيناي. أُُصغر المروحة، الكامنجا، الغرف، الدولاب، السرير، الكراسي. أُُصغرها وأنحتها بحب وشغف حقيقي. شيء ما يُشرق داخلي وأنا أمارس هذا الفن. شيء يحدثني: أنت سعيد. أكمل ما تفعل، ومن هنا بدأت الحكاية».

سيارة مجسدة مصغرة بفن الديوراما
سيارة مجسدة مصغرة بفن الديوراما
أعماله من البداية إلى الاحتراف

في البداية نفذتُ كرسيًا خشبيًا، ثم توالت المروحة والكامنجا والعود، الخروف، ثم بعد ذلك شخصيات ثنائية الأبعاد ثم حولتها إلى ثلاثية الأبعاد كمحمد صلاح وآينشتين وغيرهم. استخدمتُ أدوات بسيطة كالخشب والمعادن والجلود والبلاستيك الورق والمنشار والقطر، كل ما تقع عليه يدي. اختار الخامة على حسب التصميم وأنفذ.

الصعوبات التي واجهته وقتها

واجهتُ وقتها تحدي ضيق الوقت؛ إذ كنت مازلتُ طالبًا، أدرسُ في كلية الزراعة. أقضي ساعات طويلة في الكلية بين الحضور وإنجاز المشروعات المطلوبة. كما لا توجد فيديوهات كافية لتساعدني. ومهما كان يصعب إيجاد كل قطعة تقفزُ في خيالي. كان وقتها مجالا جديدا أبدأ فيه من الصفر ولا أجد غيري أسأله. جربتُ أشياء كثيرة وعلمتُ نفسي بنفسي. بدأتُ بمستوى متواضع، وتطورت مع الوقت خطوة بخطوة. إلى اليوم الذي وضعت أول صورة لمجسد من تصميمي على صفحة أجانب شهيرة بهذا الفن. وتفاجأت بردود الأفعال الإيجابية التي شجعتني ودعمتني كثيرًا.

سفرة مصغرة مجهزة بطعام كامل
سفرة مصغرة مجهزة بطعام كامل
علامة جيدة لاستكمال الطريق

يقول «عمر»: «شعرتُ وقتها أنها علامة جيدة كي أُكمل الطريق. بداخلي طاقة كبيرة تود أن تخرج؛ لترى النور، لقد أدمنتُ فن الديوراما، ولم أستطع أن أتراجع، فقد أصبح حياتي كلها». ويضيف: «سواء شجعني أحد أو لم يشجعني، فأنا مستمر في طريقي. هكذا أحدثُ نفسي كثيرًا». فهل هذه هي نداهة الفن يا عمر؟ وأومأ قائلًا: نعم.

بعدها أنشأت صفحة عبر «فيس بوك» خاصة بأعمالي، ومن هنا توالت عليّ طلبات لشراء منحوتاتي بمقابل مادي. وقتها كنت تخرجت من كلية الزراعة. ولم أرغب في العمل بشهادتي. كان طريقي واضحا وأهدافي أمام عيني. فأنا لا أسميها أحلامًا بل أسميها أهدافًا. أصعدُ مع كل منحوتة أنحتها سلمة في سلم وصولي. ولا أستعجل الوصول إلى القمة. فعلمني الفن أن أكون صابرًا. وأن أستمتع بكل خطوة أخطوها في طريقي الذي بلا نهاية.

عمر نمنم مع منحوتة محمد صلاح
عمر نمنم مع منحوتة محمد صلاح
إلى العالمية

أخطط لإنشاء علامة تجارية “براند”، ولتكوين فريق عمل وشركة رائدة في هذا المجال. وسأعمل مستقبليًا على تنفيذ أول فيلم بخاصية الـ «ستوب موشن». أعتقد أن هذا الفن لم يُقدر في مصر على نطاق واسع. وسأسعى أن أترك بصمة بارزة فيه. وسأنطلق منه إلى العالمية.

عمر نمنم وفيلا مصغرة
عمر نمنم وفيلا مصغرة
ما الفرق بين الديوراما والنحت؟

أنا لست نحاتًا بالمعنى المتعارف عليه. النحت يقوم على قطعة واحدة، يُشكل منها الفنان شخصية أو شيئًا ما. أما الديوراما فهو فن التجسيم. فأنا فأستخدم الكثير من القطع والأدوات والخامات، وأُُجمّع العديد من الأجزاء كي أجسد كل تفصيلة في المجسم الذي أنوي تنفيذه. فمثلا إذا قمت بعمل دولابٍ. سأجسمه.. أي سأقوم بنحت كل تفصيلة فيه على حدة: الرفوف، العمدان، الأبواب، المحتويات، كل شيء.

فن التجسيم جزء من روحي. فكل قطعة تحمل جزءًا مني. أمنحها كل طاقتي ووقتي ومجهودي وإحساسي. منذ بدأتُ فن تصغير المجسمات لم أتوقف عن ممارسته، أجد متعة غير عادية فيه.

كيف مر عليك الحجر المنزلي وهل تأثر فنك بزمن الكورونا؟

عانى العالم كله من الكورونا، بينما جلست كعادتي منذ خمس سنوات أمارس شغفي في صومعتي الصغيرة. لا أشعر بالوقت نهائيًا. يمكنني الجلوس ستة أو سبعة ساعات متواصلة أعمل على مجسمٍ واحدٍ. أستمتع بكل تفصيلة في العمل على أي نموذج.

منزل بحديقته مصغرين على طريقة عمر نمنم
منزل بحديقته مصغرين على طريقة عمر نمنم
مصاعب وعوائق

أتعبني مجسم المطبخ، قضيتُ شهرًا أنفذه. في الواقع يستغرق التفكير الجزء الأطول في العملية الفنية. أفكر مليًا كيف يمكنني التنفيذ. وإذا اكتملت الفكرة في رأسي. أبدأ في التنفيذ.

ألوم بعض الناس على عدم تقدير هذا النوع من الفن بالشكل الكافي. خاصة عندما يسألني أحد العملاء عن سعر قطعة ما. المجسمات أبنائي، قطعة من روحي. ولا يمكن تقديرها بشكل مناسب أبدًا. الناس تشاهد القطعة في النهاية بشكل رائع ودقيق. ولكنها لا تشاهد المجهود الخرافي المبذول وراء كل قطعة كي تبدو جميلة وبراقة بهذا الشكل.

وعن اختياره لاسم نمنم قال: «شعرت أنه يشبه الفن الذي أقدمه. فكل شيء منمنم صغير؛ لذلك اسم نمنم هو الأوقع. فأصبحت عمر نمنم، ومن هنا أيضًا جاء شعاري: اللي جاي أصغر».

عربة فول مصغرة على طريقة عمر نمنم
عربة فول مصغرة على طريقة عمر نمنم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى