حكايا ناس

رفض شرعي وجدال مجتمعي ورغبة في الحد من الطلاق.. القصة الكاملة لـ«زواج التجربة»

حالة من الجدل أثارتها مبادرة «زواج التجربة» التى دعا إليها دكتور أحمد مهران المحامي ورئيس مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، فى محاولة لإيجاد حل للحد من الطلاق المبكر، الذى أصبح منتشراً بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة.

هذه المبادرة التي أعلنها مهران، أثارت حفيظة كثيرين، في مقدمتهم الأزهر الشريف، الذي أصدر فتوى، تُبطل العقود التي تشترط أي مدة تحدد عقد الزواج، أو تشترط عدم وقوع انفصال بين الزوجين لمدة معينة.

وفي المقابل أعلنت دار الإفتاء المصرية التحرك في مسار آخر، معلنة عبر صفحتها على «فيسبوك» عن تشكيل لجان لدراسة هذه المبادرة بكافة جوانبها الشرعية والقانونية والاجتماعية، للوقوف على الرأي الصحيح الشرعي لها.

الحد من الطلاق

يقول صاحب المبادرة دكتور أحمد مهران: «بحكم عملي كمحام وشغلي في قضايا المرأة والأسرة، أصبح لدى حالات كثيرة من السيدات التي لديها قضايا ومشكلات متعلقة بالطلاق».

وأضاف: «الإحصائيات تقول إنه لدينا مطلقة كل دقيقتين و11 ثانية، ولدينا أكثر من 8 ملايين مطلقة، والدراسات والأبحاث التي نجريها في المركز أكدت أن أعلى نسبة طلاق تتم بين حديثى الزواج اللذين لم يتجاوز زواجهم ستة أشهر أو عام».

وتابع مهران: «كل هذه الأمور جعلتنى أفكر في كيفية الحد من تسرع الزوجين فى تقييم التجربة وإقرارهم بفشل العلاقة، وأن يستمرا على الأقل ثلاث سنوات قبل اتخاذ قرار الطلاق».

عدم المساس بعقد الزواج

وأكد مهران لـ«ناس نت» أن فكرته لا تمس عقد الزواج نفسه، مؤكدا أنه عقد مؤبد شرعي رسمي غير محدد المدة.

قائمة المنقولات

وتابع: عقد زواج التجربة هو عقد اتفاق منفصل تماماً، من خلال وثيقة ملحقة بقائمة المنقولات التي نكتبها مع وثيقة الزواج، وتسمى «مشارطة زواج التجربة» يضع فيه الزوجين كل شروطهم، والمشكلات الزوجية المحتملة والمتوقعة، ووضع حلول متفق عليها من الطرفين، ووقت الخلاف يتم العودة إليها، ومن يخل بالعقد يكون هو المسؤول، فهناك بند جزاءات يلزم المخل بكل الحقوق تجاه الطرف الآخر، مشدداً «ولا يمنع الطلاق».

ولفت إلى أن هذا يحدث فى الطلاق فيوجد عقد اتفاق مدنى بجانب قسيمة الطلاق يتفق فيه الطرفان على الحياة بعد الطلاق وحقوق كل طرف منهما للابتعاد عن طريق المحاكم.


220 عقدا

وأكد مهران أنه قام بإتمام نحو 220 عقدا من هذا النوع مؤخرًا، لافتا إلى أنه حاول على مدار عشرة سنوات توضيح وجهة نظره حول فكرة زواج التجربة، لكن لم يحدث التفات إليها إلا بعد الضجة الإعلامية الأخيرة، على حد تعبيره.

تجربة مصرية

رشا أبو ريا – 35 عامًا- إحدى المشاركات في مبادرة «زواج التجربة»، ترى أن هناك مفاهيم مغلوطة تم نقلها بشكل خاطئ عن هذه التجربة.

وتسرد الزوجة، في تصريحات تلفزيونية، وقائع القصة التي بدأت قبل نحو شهر عندما قررت الانفصال عن زوجها بعد 5 سنوات من الزواج، وذهبت للمحامي أحمد مهران، صاحب مبادرة «زواج التجربة».

وتقول إن المحامي طلب التواصل مع زوجها، لتقريب وجهات النظر وبالفعل جلسنا سويا ووقعنا على عقد زواج التجربة، الذي يتضمن كل الالتزامات الإنسانية بين الطرفين، منها الالتزام بتوفير مسكن معين في خلال مدة معينة، إضافة إلى تفاصيل إنسانية أخرى.

وتضيف: «هناك صورة خاطئة تم الترويج لها عن زواج التجربة»، مشيرة إلى أنها متزوجة لدى مأذون شرعي منذ 5 سنوات، ولم يحدث انفصال رسمي، حيث إن عقد الزواج الشرعي لا يزال ساريًا، كل ما حدث أن هناك عقد آخر ملحق بعقد الزواج الأصلي، ينظم الواجبات والحقوق، ويضعها في إطار قانوني.

وتوضح: «على سبيل مثال كان هناك اتفاق بيني وبين زوجي على توفير شقة سكنية أخرى أكثر اتساعا في خلال وقت معين، وهو لم يحدث، إضافة إلى وجود تفاصيل أيضًا كانت تزعجه مني، وما قمنا به هو أننا وضعنا كل شروطنا في عقد قانوني، ينظم العلاقة إلى جانب التعاقد الشرعي».

الفرصة الأخيرة

وتؤكد «أبو ريا» أن العقد الجديد الملحق بعقد الزواج غير محدد المدة، وكل ما في الأمر أن بعض البنود محددة بمدة، مثل توفير مسكن جديد، حيث حددنا مدة عامين لتوفيره من أجل إتمام هذا البند، لكن في حالة مخالفة البنود من أي طرف، يصبح من حق الطرف الآخر الانفصال مع الحصول على كل الحقوق كاملة.

وتضيف: «أستطيع أن أسميه عقد الفرصة الأخيرة لاستمرار الحياة الزوجية»، مشيرة إلى أنها اقتنعت بالفكرة، إذ ترى أن المشكلة الأساسية في الحياة الزوجية في مصر، هو غياب التفاهم بين الأزواج، لكن في هذه الحالة فهم يوثقون كل متطلبات الأزواج بأوراق رسمية.

رفض الأزهر

وكانت صورة لهذا العقد قد تم تداولها عبر السوشيال ميديا وهو الأمر الذى قوبل برفض من الأزهر الذى أصدر بيانا عبر مركز الفتوى الإلكترونية أكد فيه أن هذا العقد يتنافى مع دعائم منظومة الزواج فى الإسلام ويتصادم مع أحكامه ومقاصده.

وأكد أن عقد الزواج فى الإسلام مبنى على نية الديمومة والاستمرار ولا يقوم على التأقيت وإلا أصبح زواج متعة وهو زواج محرم فى الإسلام.

وأوضح المركز أن الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به، وأن عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة خمس سنوات أو أقل أو أكثر فيما يسمى بـ«زواج التجربة» اشتراطا فاسدا لا عبرة به، كما أن اشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مُدة مُعينة يجعل العقد باطلًا ومُحرَّمًا.

وأضاف مركز الفتوى أن الإسلام كفل لكلا طرفى هذا العقد الحُرَّين البالغين العاقلين الرَّشيدين حق إنهاء الزوجية فى أى وقت استحالت فيه العِشرة بينهما، دفعًا لضرر مُحقَّقٍ لا يُحتَمل مِثلُه عادةً، وجَعَل حَلّ هذا العقد بيد الزوج عن طريق الطَّلاق، أو الزوجة عن طريق الخُلع، أو القاضى عند التَّرافع إليه لرفع الضَّرر عن المرأة مع حفظ حقوقها الشَّرعية.

وأوضح أن صورة عقد الزواج المُسمَّى بـ«زواج التجربة» تتنافى مع دعائم منظومة الزواج فى الإسلام، وتتصادم مع أحكامه ومقاصده؛ إضافةً إلى ما فيها من امتهان للمرأة، وعدم صونٍ لكرامتها وكرامة أهلها، وهذه الصورة عامل من عوامل هدم القيم والأخلاق فى المجتمع، فزواج التجربة −كما قرَّر مُبتدعوه− هو زواج محظور فيه على كلا الزوجين حَلّه بطلاق من الزوج، أو خلع من الزوجة، أو تفريق من القاضى مدة خمس سنوات، أو أقل أو أكثر، على أن يكون ذلك شرطًا مُضمَّنًا فى عقد الزواج إلى جوار شروط أخرى يتفق عليها طرفاه.

وشدد على أن كثرة وقوع الطلاق فى سنين الزواج الأولى لا يُعالَجُ بحظرِ الانفصال، وتحريم الطلاق؛ وإنما يواجَه بالوعي، والمعرفة، وتنمية المهارات لدى الشباب والفتيات من المقبلين على الزواج؛ ليعرفوا قدره، ومعناه، وحدود الله فيه، وواجباته، ومسئولياته، وأحكامه، وكيفية اختيار شريك الحياة، والتعامل الأمثل معه، ومع النفس، وحدود تدخل الأهل فى الحياة الزوجية، وكيفية تجاوز عقبات الحياة ومشكلاتها، وكيفية تحقيق السعادة فيها.

الإفتاء تحذر

أما دار الإفتاء فقد وجهت تحذيرات لمتابعيها عبر صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك»، حول زواج التجربة.

وقالت إنه ليس معنى «زواج التجربة» أن يتم تجربة الزواج بين الرجل والمرأة لفترة محددة بوقت، فالشرع الشريف يَمْنَع هذا ويحرمه بشكل قاطع، وعلى الرغم مِن أنَّ مجرد اسم «زواج التجربة» معناه اللفظي سيّء؛ إلَّا أنَّ العلماء لا ينظرون إلى الاسم لكي يحكموا على عقد الزواج بكونه حلالًا أو حرامًا، بل ينظرون إلى مضمون العقد، والواضح أن من أطلق هذا الوصف على هذا الزواج أراد أن يحقق مكاسب دعائية على حساب القيم المجتمعية الراسخة بشأن الأسرة.

وأضافت أن مضمون العقد في ما يُطلق عليه «زواج التجربة» يجعلنا نقول: إنَّ الشروط التي يشتمل عليها هذا العقد نوعان:
النوع الأول: اشتراط مَنْعِ الزوج مِن حقه في طلاق زوجته في فترة معينة بعد الزواج، وهذا شرط باطلٌ، فإذا وَقَع عقد الزواج به؛ فالعقد صحيح، وهذا الشرط بخصوصه باطلٌ كأنَّه لم يكن.

النوع الثاني: بعض الشروط الأخرى التي يَظُنُّ الزوجُ أو الزوجةُ تحقيق مصلحةٍ بوجودها؛ كأن تشترط الزوجة على زوجها أن لا يُخرِجَها مِن بيت أبوَيها، أو أن لا ينقلها من بلدها، أو أن لا يتزوَّج عليها إلَّا بمعرفة كتابية منها؛ فهذه الشروط صحيحة، ويلزم الوفاء بها من الطَّرَفين.

ولا فرق في هذه الشروط السابقة بين كتابتها وإثباتها في وثيقة الزواج الرسمية الصادرة من وزارة العدل، أو إنشاء عقدٍ آخرٍ منفصلٍ موازٍ لوثيقة الزواج الرسمية.

وتابعت أن الحراك الإعلامي حول مبادرة «زواج التجربة» سواء بالتحقير غالبا أو بالسخرية أحيانا، يجعلنا نقول: إنَّ المشكلات الأسرية -المُتوقَّعة أو الحاصلة- ليس محلها الفضاء الإلكتروني، بل بمراجعة أصحاب الاختصاص، وتأهيل الزوجين لحياةٍ مستدامةٍ بينهما.

فكرة جيدة بشرط

الدكتور رشاد عبداللطيف نقيب الاجتماعيين الأسبق، من مؤيدى المبادرة باعتبارها قد تكون سبباً في الحد من حالات الطلاق المنتشرة بين حديثى الزواج، حيث يؤكد: «فكرة جيدة، وحل مناسب للحد من ظاهرة الطلاق المبكر فى ظل الظروف المتوترة فى المجتمع».

وتابع: «المهم أن تكون بعيدة عن وثيقة الزواج، وأن يكون هناك عقد زواج صريح مكتمل الأركان، ويلحق به هذا العقد المدنى، بحيث إنه يجعل الشخص قبل الطلاق يفكر جيداً فى الطرف الآخر الذى ارتضى أن يرتبط به ويكون شريك حياته».


تعقد الأمور

وعلى الجانب الآخر تؤكد الدكتورة اعتماد عبد الحميد خبيرة العلاقات الأسرية والزوجية، أن مبادرة زواج التجربة ليست من الحلول العملية والشرعية، متسائلة «ليه نقعد لبعض بالورقة والقلم، وبنحسب كل حاجة؟، ده بيخلى فى تحفز دايماً بين الزوجين».

وأشارت خبيرة العلاقات الزوجية أنه من الحلول التى يجب اتباعها للحد من الطلاق، هى تسهيل وتيسير الأمور على الطرفين، بدلاً من زيادة التكلفة والعبء على الجميع، منوهة أن التيسير سيعمل على خلق مودة وألفة ورحمة، وكلما بسطنا الزواج كلما كان أنجح، وكلما كان هناك تراضي وتفاهم كلما كانت الحياة أفضل.

واختتمت حديثها بالتشديد على ضرورة أن ترسخ مناهج التعليم مبادئ قدسية الزواج، وأن نعيد فى مناهجنا التعليمية مفهوم البيت والأسرة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email

اقرأ أيضا:

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى