حكايا ناس

قصص ملهمة│كيف تغلب «هاري» على الاكتئاب المزمن؟

يُمثل التعامل مع الاكتئاب صراعًا يوميًا، بعض الأيام قد تكون أسوأ من غيرها. لكن قصة «هاري» توضح لنا كيف استطاع أن يدرك أعراض مرضه، ومحفزاته، والتعامل معه. وأن يظل مسيطرًا على حالته أغلب الوقت.

لقد تأخر «هاري» في فهم ما يجري داخله، واستيعاب العلاقة بين جسده وعقله، «الوعي هو مفتاح الوقاية» كما يقول، ولهذا يشاركنا قصته عن حربه ضد الاكتئاب. يقول هاري: «لا أريد لأي شخص أن يشعر بما شعرت به، وأن يشعر بالحصار والعزلة بسبب مشاكل الصحة النفسية وعدم القدرة على رؤية ضوء في نهاية النفق».

اكتئابي

يعمل «هاري» -حاليًا- مسؤولًا عن الفعاليات والمجتمع، في إحدى مؤسسات الصحة النفسية، عانى في السابق من الاكتئاب لفترة طويلة، كان يقضي أيامًا متتالية في الفراش، غير راغب في النهوض، غير قادر على الحركة، لأن الاكتئاب يمكن أن يكون منهكًا لدرجة يشعر معها بالشلل الجسدي.

يقول هاري: «بالكاد كنت آكل أو أشرب، وكنتُ أرفض الاختلاط الاجتماعي، وأرغب في الهروب طوال الوقت، لكنني لم أكن قادرًا على ذلك، كانت العودة إلى غرفتي في نهاية اليوم أمرًا مُفزعًا. إنها حلقة مفرغة، من المستحيل كسرها بدون مساعدة».

إدراك أنني بحاجة للمساعدة

 

الخطوة الأولى والأكثر صعوبة لمريض الاكتئاب، هي الإدراك والاعتراف بأنه ليس على ما يرام نفسيا. يقول «هاري»: «استغرق الأمر مني أيامًا طويلة، مستلقيا في غرفة نومي، أقول لنفسي “أنا فقط أشعر بالملل لا أكثر”، لكن الحقيقة هي أنني كنت أرفضُ قبول الحقيقة.. نعم كانت صحتي النفسية معتلة».

عندما وصل اكتئابه إلى ذروته، تغيب عن المحاضرات والندوات، ​و​المناسبات الاجتماعية، وفرض على نفسه عزلة تامة بإرادته، وبدأ يخبر نفسه أنه انطوائي، ومتعب، ويعلق «هاري»: «لقد كنت متعبا بالفعل، ولكن ليس بسبب قلة النوم، بل كان ذلك أحد أعراض اكتئابي الذي لم أكن أريد الاعتراف به».

ذهب لأول مرة إلى الطبيب عندما كان في سن مبكرة من أيام الدراسة، لكنه كان دائمًا يرفضُ العلاج، ويعتقد أنها ليس بحاجة إلى الدواء، وبإمكانه السيطرة بمفرده على ما يصيبه من تغيرات. في أواخر أبريل 2017؛ زاد كل شيء عن حده، لدرجة أنه فكر في الانسحاب من الدراسة تمامًا، ولكن التردد المُبالغ فيه -وهو أحد أشهر أعراض الاكتئاب- منعه من اتخاذ القرار. ما يعني أنه ترك اكتئابه يهزمنه، ويجعله -على حد قوله- غير قادر تمامًا على الاستمرار في الحياة الطبيعية.

يقول «هاري»: «كان قبول أنني بحاجة إلى المساعدة، وأنني غير قادر على مواصلة دراستي؛ قرارًا صعبًا بشكل لا يصدق، لكن أخذ استراحة للتركيز على صحتي النفسية، للتعافي، كان أفضل كثيرًا بالنسبة لي على المدى الطويل».

لقد غيرني العلاج كشخص

قمت بالبدء بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) بعد فترة وجيزة من ترك الجامعة. كانت هذه خطوة مهمة بالنسبة لي. بمجرد إخراج نفسي من دراستي الجامعية، بدأت أرى تحسنًا ملحوظًا في صحتي النفسية، ولكن بدون العلاج المعرفي السلوكي، ما كنت وصلت لما أنا عليه اليوم.

ساعدني العلاج المعرفي السلوكي على فهم سبب اكتئابي وأن الانسحاب من المجتمع والغرق في رثاء الذات والشعور الدائم بالسوء ما هم إلا أعراض لمرضي. إن تغيير موقفي تجاه المستقبل لم يكن يحدث سوى بفهم اكتئابي جيدًا، كان بمثابة تغيير في حياتي.

ساعدني السعي الجاد نحو صحة نفسية أفضل في التركيز على إعادة إحساسك بالحياة (أهم جانب في السماح لنفسك بالحفاظ على صحة نفسية جيدة) كما بدأت في عمل بدوام جزئي أثناء إجازتي من الجامعة؛ العمل الذي وجدته في مؤسسة الصحة النفسية.

كنت أسجل في فئة الاكتئاب “الشديدة” ولكن عندما خرجت من المستشفى بعد شهرين من جلسات العلاج المعرفي السلوكي، تحسنت صحتي النفسية بشكل كبير لدرجة أنني سجلت في فئة أدني “معتدل ”.

لقد رأيت تحسنًا كبيرًا في صحتي النفسية ونتيجة لذلك أصبحت شخصًا مختلفًا تمامًا. لا يزال اكتئابي موجودًا، وأعتقد أنه سيكون كذلك دائمًا، لكن يمكنني إدارته إلى الحد الذي لا يؤثر فيه على قدرتي على العمل في الحياة اليومية.

لا ينبغي لأحد أن يعاني بمفرده

إن وجدت نفسك تفكر في جدوى الاستمرار في الحياة من عدمها بشكل شبه يومي وتفاقم ذلك الشعور إلى الحد الذي جعلك تفكر في إنهاء حياتك مع ظهور أعراض أخرى كالانعزال التام عن الحياة الاجتماعية، النوم الدائم، فقدان الشهية، عدم القدرة على النهوض من الفراش، الحزن المستمر، احساس بخيبة أمل لا يفارقك مهما فعلت، تشوش الرؤية نحو المستقبل ورؤيته مظلم. إن لم تسعدك أشياء كانت تسعدك في الماضي. إن فقدت شغفك بهواياتك التي كانت بمثابة حياتك. فأرجوك ابحث عن دعم ومساعدة. الطبيب النفسي سيأخذ بيدك إلى بر الأمان عبر الأدوية تارة وجلسات العلاج السلوكي تارة أخرى. الأهم أنك تعي أنك لست مذنبا ولا مجرما أنت فقط مريض بحاجة إلى دواء.

هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب ولا يعرفون سببه. من المهم زيادة الوعي لتجنب الوصول إلى  النقطة المظلمة التي تستحيل معها الحياة بل تنعدم. لا يجب أبدًا لأي شخص أن يعاني وحده. إن المرض النفسي كالعضوي آن الأوان أن نتخلص من وصمة العار التي تلاحق مرضاه، ليطلب الناس المساعدة في الوقت الملائم ليبدأون العلاج والتعافي. تذكر دائما أن الاكتئاب عدو، بئر مظلم، نفق طويل شديد العتمة، كلما اشتد عليك وكبلك من كل ناحية اهزمه بالدواء تارة والمزيد من الوعي به تارة أخرى واستمع إلى كلام طبيبك، ستتعافى منه قريبا كما تعافيت وستكون قصتك القصة الملهمة التالية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى