حكايا ناس

يوسف شاهين سينما عالمية لم يفهمها أحد

لاحظ المخرج الفرنسي الشهير جان رينوار، ذات مرة أن الواقع في أفلام يوسف شاهين دائمًا ساحرٌ وعظيم. وفي مقال لـ شيلا ويتاكر، في صحيفة «الجارديان» البريطانية؛ قالت: «استكشفتْ أعمالُه الانزياحَ العاطفي تجاه القومية بشكل عميق ومكثف، وما يعنيه أن تكون مصريًا، والحاجة إلى مجتمع متسامح وعادل».

كان «شاهين» يحظى بتقدير كبير من قبل المخرجين الأوروبيين. كما أنه المفضل في المهرجانات والمحافل الفنية الدولية. ومع ذلك ظل التوزيع التجاري لأفلامه في الغرب محدودًا، باستثناء فرنسا. أما في مصر فكانت إخفاقاته التجارية متلاحقة، والسبب هو: إننا لا نفهم ماذا يريد أن يقول يوسف شاهين!

لماذا لم يفهم الجمهور يوسف شاهين؟

يوسف شاهين بعد جائزة مهرجان كان
US director Nick Cassavates, left, poses with actor John Travolta while Egyptian director Youssef Chahine kisses his award at the end of the award giving ceremony of the Cannes film festival Sunday May 18, 1997

عندما عاد يوسف شاهين من معهد باسادينا في أمريكا، وجد نفسه ينزلق إلى تقديم النمط السينمائي السائد في مصر. وهو السينما الخفيفة التي تعتمد على الكوميديا والتراجيديا بمفهومها الكلاسيكي، أي مع تقديم رسالة أخلاقية أو قيمية واضحة. وبدأ أولى أفلامه عام 1950م بابا أمين مع حسين رياض وفاتن حمامة. وما هي إلا شهور قليلة حتى اندلعت ثورة يوليو وتغيرت دفة التاريخ.

كان يفكر شاهين كثيرًا هل يمكنني إذا كان الجيش انتفض ليقول أنه حر وليسمع صوته وصوت مصر الحقيقي. ألا أستحق أنا أيضًا فرصة كي يسمع الناسُ صوتي الحقيقي؟ وهكذا انغمس بكل وجدانه في أحد أهم الأفلام في تاريخنا على الإطلاق «باب الحديد» عام 1958م. وفي ليلة عرض الفيلم، كان شاهين واقفًا أمام باب السينما في قلق شديد. وإذا بأحد المتفرجين بعدما علمَ أنه مخرج الفيلم، بصق على الأرض وهو يقول: «هو ده فيلم ده!».

ويُعلق يوسف شاهين بعد سنوات طويلة في أحد لقاءاته على ذلك الموقف قائلًا: «حينها فكرتُ إنني أحتاج لهدنة كبيرة. وأن أراجع نفسي وأعيد حساباتي الفنية». وهكذا كان البحث عن يوسف شاهين بعيدًا عن حسابات السوق؛ تطلب الإنتظار من «باب الحديد» 1958، وحتى فيلم «العصفور» 1972م.

الأصوليون ومحاولة قصقصة أجنحة المتمرد

وفي الفترة الأخيرة عرضته أعماله لتهديدات الأصوليين والمتطرفين الإسلامويين في المجتمع المصري. وقد نصب الدكتور أحمد خالد توفيق له محاكمة بعد وفاته. حيثُ عرض خلال سلسلة من المقالات يوسف شاهين؛ كواحدٍ من رواد الدعارة الفنية، ومروجي السلوكيات الفاسدة، وأحد أهم أسباب التردي القيمي في مجتمعنا الحديث. ويتساءل في معرض كلامه لماذا يستحق يوسف شاهين كل هذا الاحتفاء والتقدير؟

صخرة الدفاع عن القومية العربية

إسكندرية ليه (النسخة الفرنسية)خلال أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ، صنع ثلاثية سيرة ذاتية جلبت له أول اعتراف دولي واسع له: Iskindiria … Leh؟ (الإسكندرية … لماذا؟ 1978) ؛ حدوتة مصرية (قصة مصرية ، 1982) ؛ وإسكندراي كامان وكمان (الإسكندرية مرة أخرى وإلى الأبد ، 1989). تدور الأحداث في الإسكندرية عام 1942 ، في الوقت الذي كانت فيه القومية المصرية تحرض نفسها ضد البريطانيين المحتلين وأرسلت آلاف القوات هناك لمحاربة الألمان ، إسكندريا … ليه؟ يجمع بين مقاطع من مسرحيات هوليوود الموسيقية ولقطات نشرة إخبارية من متحف الحرب الإمبراطوري.

لكن هذا كان وقت اتفاقية كامب ديفيد، واعتبرت نداءها للتسامح بمثابة دعم للرئيس أنور السادات في زيارته إلى القدس عام 1977 والاتفاق اللاحق مع إسرائيل عام 1979، وهي تطورات لا تحظى بشعبية كبيرة في بقية العالم العربي. على الرغم من موافقة المنظمات الفلسطينية؛ تم حظر الفيلم في العديد من الدول العربية، رغم فوزه بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان برلين السينمائي.

 

نجوم رفضوا المشاركة في أفلامه

إسكندرية كمان وكمان
يسرا وشاهين- فيلم إسكندرية كمان وكمان 

«أنا لا أفهم أفلام يوسف شاهين». هكذا قال النجم عادل إمام في أحد لقاءاته، مُعبرًا عن نفسه وعن جيل كامل من الفنانين، لم يستطع مواكبة الثورة الفنية التي أعلنها يوسف شاهين منذ باب الحديد 1954م. ومع أن أغلب آراء نجوم الوسط الفني لا تختلف كثيرًا عن رأي عادل إمام، فإن يوسف شاهين عاش حتى عامه الثاني والثمانين في مصر، وهو مُحاط بالشهرة والنجومية والتقدير. لدرجة أن النجوم الذين تعاونوا معه صاروا يصفون نجاحهم الفني بـ قبل التعاون مع يوسف شاهين، وما بعد التعاون مع يوسف شاهين. ومع ذلك يظل أكثر ما وصف به شاهين أنه مجنون، لماذا؟

 

 

لبلبة شاهين يسرا

الفنانة سناء جميل تم ترشيحها لمشهد تعبر فيه الرصيف إلى الضفة الأخرى وفقط. وعبد الحليم حافظ كان مرشحا لبطولة فيلم لن يغني فيه. والشاهد من ذلك أن يوسف شاهين دائمًا يفكر، دون أن يحده نمط أو تقليد، أو يحكمه اعتياد. لكن ما هو ضروري، ما هو مناسب. هذه هي القاعدة التي يستند إليها. فالشخصية مثلا التي رشح عبد الحليم حافظ لأدائها في فيلم الاختيار، لا تغني، لا تعرف الغناء، وبالتالي لا ينبغي البطل في الفيلم أن يغني. ولن يغير من الأمر شيء أن يكون عبد الحليم حافظ يجيد الغناء أم لا. هذا ما لا يستطيع أن يدركه بعض النجوم الكبار حينما يأخذهم الاعتداد بالنفس لدرجة يعتقدون معها أنهم الجزء الثابت في المعادلة. ولكن شاهين يرى بكل وضوح: «الورق أهم».

يوسف شاهين

هل يوسف شاهين عبقري حقًا؟

يوسف شاهين بعد حصوله على كان

شهد يوسف شاهين عصرًا زاخرًا فيه تتحول مصر بكل وجوهها، من الملكية الدستورية، إلى الجمهورية العسكرية، ومن الاشتراكية إلى الرأسمالية. كما تتغير الظروف السياسية في العالم تتغير المجتمعات، ويجد الفن نفسه مضطرًا لأن يقدم نفسه في زي جديد يلائم هذه التغيرات. وعلى ذلك رأى شاهين في مرحلة متقدمة من إنتاجه السينمائي، تجديد اللغة السينمائية السائدة في مصر، وضخ جماليات جديدة لم تكن معهودة هنا من قبل.. إنه تمرد على النمطي والثابت. ولكن المجتمع نادرًا ما يرضخ للجديد. فالجديد يحتاج إلى عقل جديد. وقد راهن شاهين على أن هناك جديد يُمكن أن يقدم في كل وقت، ولذلك جاءه التقدير لحد كبير من الغرب، هذا التقدير هو الذي يجعله أستاذًا كبيرًا، رغم أنه لا يفهمه أحد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى