«أحمر الشفاه» صدّره الفراعنة للعالم.. واستخدمه الأمريكان في الحرب العالمية

منذ العصور القديمة حاول البشر الاستعانة بأشياء من البيئة المحيطة بهم يمكنها أن تميزهم عن الآخرين.. ومع مرور السنين استطاع الإنسان تطوير الملابس والأدوات التي يستخدمها وأيضا مستحضرات التجميل ومنها اختراع أحمر الشفاه يعد أحد أكثر الطرق وضوحاً في تغيير المظهر.
اختراع أحمر الشفاه
يعتقد أنّ أول أحمر شفاه في التاريخ قد تم صنعه قبل نحو 5000 عام وكان ذلك من قِبل الملكة السومرية بوابي في مدينة أور العراقية، وفقاً لما ذكره موقع Messy Nessy Chik.
ويقول الباحثون إنّ بوابي كانت شخصية محترمة للغاية في بلاد ما بين النهرين، فكانت ترتدي مجوهرات الرأس والعنق، ولكنَّ كان الجزء الأكثر إبهاراً منها شفتيها اللتين دائماً ما كانتا تلمعان بألوان زاهية صنعت من الصخور الحمراء والرصاص الأبيض.
ومع ذلك فقد تم صنع أحمر الشفاه لاحقاً في فترة ما قبل التاريخ أيضاً من مصادر طبيعية متاحة بسهولة مثل عصائر الفاكهة والنباتات.
نشر الاختراع الفرعوني للعالم
ولكن عندما بدأت الحضارات المبكرة في الظهور في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والهند مكنت عمليات التصنيع المتقدمة البشرية من البدء أخيراً في إنتاج أنواع جديدة من أحمر الشفاه.
أول من فعل ذلك كانت نساء بلاد ما بين النهرين اللواتي كن يطحن الأحجار الكريمة ويستخدمن الغبار لتزيين شفاههن بالبريق.
كما استخدمت النساء من حضارة وادي السند أحمر الشفاه بانتظام، لكن مصر كانت هي المكان الذي تلقت فيه صناعة أحمر الشفاه العديد من التطورات، إذ استخدم أعضاء العائلة الملكية ورجال الدين والطبقة الراقية عدة أنواع من أحمر الشفاه بعضها بوصفات تحتوي على مكونات سامة يمكن أن تسبب أمراضاً خطيرة.
أما كليوباترا، ملكة مصر، فلجأت إلى استخدام أحمر شفاه مصنوع من نوع من الخنافس الذي يعطي صبغة حمراء داكنة مع إضافة نمل ومادة مستخرجة من صدف أحد الحيوانات البحرية، ومن هناك بات اللون القرمزي هو الشائع لأحمر الشفاه.
أبوالقاسم الزهراوي
وفي عام 1000 ميلادية تقريباً كان العالم العربي الأندلسي أبوالقاسم الزهراوي أول من اخترع أحمر شفاه صلباً وقد ذكره في كتابه “التصريف لمن عجز عن التأليف”.
التعامل مع الشيطان
بعد أن تمكنت مصر من نشر اختراعاتها وتطوراتها في جميع أنحاء أوروبا، وصل اختراع أحمر الشفاه إلى الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية خلال العصور الوسطى.
وبعد انتشار المسيحية في أوروبا أصبح أحمر الشفاه شيئاً من الماضي وتم نسيانه تماماً تقريباً بعد أن أدانت الكنيسة الكاثوليكية استخدام مستحضرات التجميل.
وكان ينظر إلى استخدام النساء اللواتي بأحمر الشفاه على أنه علامة على الاختلاط مع الشيطان وعبادته.
ولكن خلال الحروب الصليبية في العصور الوسطى عندما بدأت أوروبا في إعادة اكتشاف الشرق الأوسط ومعتقداته المتعلقة بمستحضرات التجميل كان الأثرياء والنخبة الدنيوية قد جعلوا الكيميائيين يصنعون أحمر شفاههم من أجل بيعه على أنه خلطة سحرية لنجاح التعويذات.
فبدأ الباعة المتجولون في السوق السوداء في بيع خلطاتهم الغريبة والصوفية في أوروبا، في حين كانت هناك نساء شجاعات بما يكفي لعصيان الكنيسة فاستخدمن أحمر الشفاه لجعل بشرتهن تبدو أكثر إشراقاً.
جوانب أخلاقية
بعد تحريم استخدامه لفترة طويلة عاد أحمر الشفاه في الظهور في القرن السادس عشر من خلال التغييرات الدراماتيكية التي أجرتها الملكة إليزابيث الأولى وكانت الموضة في ذلك الوقت متمثلة بوجوه شديدة البياض وشفاه ملونة بألوان زاهية.
بقيت هذه الموضة رائجة في بريطانيا تحديداً لفترة من الزمن قبل أن يعاود أحمر الشفاه الاختفاء حتى أوائل عشرينيات القرن الـ19 عندما عادت موضة استخدام أحمر الشفاه إلى أوروبا فتم استخدامه من قِبَل الممثلات والمشاهير والطبقات الغنية.
ولكن عموم الشعب دائماً ما كانوا يربطون استخدامه بالأعمال المنافية للأخلاق والهرطقة.
رمزا للقوة
يعود الفضل في عودة استخدام أحمر الشفاه بشكل كبير وتغيير الصورة النمطية التي رُسمت له طيلة السنوات السابقة إلى الممثلة الفرنسية سارة برنهارد.
ففي الوقت الذي كانت فيه العديد من النساء لا يزلن يترددن في استخدام أي مستحضرات تجميل قامت الممثلة الفرنسية بوضع أحمر الشفاه في الشوارع أثناء تجولها وسمّته “قلم الحب”، وهو ما عرضها في بداية الأمر إلى فضيحة في أنحاء أوروبا، ولكن سرعان ما تضامنت معها الكثير من النساء حول العالم، وفقاً لما ذكره موقع CNN الأمريكي.
ومع مرور الوقت بات أحمر الشفاه إلى حدّ ما رمزاً لتحرير المرأة، خاصة عند استخدامه كأحد رموز المطالبة بحق النساء بالتصويت في أوروبا.
مجندات الجيش الأمريكي
وخلال الحرب العالمية الثانية أصبح وضع أحمر الشفاه في دول الحلفاء رمزاً وطنياً وشعاراً لتحدي دول المحور بعد معرفة أنّ الزعيم النازي أدولف هتلر كان يكره أحمر الشفاه.
وبعد عام على انطلاق الحرب، أعلن الجيش الأمريكي أنّ أحمر الشفاه بات شرطاً إلزامياً للنساء اللواتي يرغبن بالانضمام إلى الجيش، وقد طلب من شركة Elizabeth Arden المتخصصة بالتجميل أن تصنع أقلام أحمر شفاه وطلاء أظافر بلون أحمر يناسب لباس الجيش.
احتجاجات القرن الـ20
في القرن الـ20 بات أحمر الشفاه أحد الرموز التي تستخدمها النساء في التعبير عن آرائهن، ففي عام 2015 قامت امرأة مقدونية بطبع قُبلة بأحمر شفاهها على درع أحد عناصر مكافحة الشغب خلال احتجاجات مناهضة للحكومة المقدونية كعلامة على التمرد.
وفي عام 2018 وضع النساء والرجال في نيكارغوا أحمر الشفاه ونشروا صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي كنوع من أنواع الدعم للمعتقلين المناهضين للحكومة، وذلك استجابة لدعوة من الناشطة السياسية مارلين تشاو.
وفي ديسمبر 2019 نزلت قرابة 10 آلاف امرأة في تشيلي إلى الشوارع مرتديات عصبات عيون سوداء وأوشحة حمراء مع وضع أحمر شفاه من أجل التنديد بالعنف الجنسي في البلاد.
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email