المرأة في مئة عام بعيون سينمائية


في قصة قصيرة للأستاذ نجيب محفوظ؛ يستلم الراوي خطابًا من المحكمة، يخبره بأنه ملزمٌ بسداد نفقة شهرية لأرملة أبيه. وبعيدًا عن البراعة المحفوظية في اللعب بالرموز والدلالات. إلا أن السؤال الذي يدق رؤوسنا هو ألهذه درجة ينبغي أن تتم إعالة المرأة من رجل؟ إذا لم يكن من زوجها، فمن ابن زوجها!
تعرض نجيب محفوظ في رواياته إلى رصد القيم المتحللة في الطبقة المتوسطة. وتناول صورة المرأة المصرية المستلبة في عصور مختلفة وشرائح اجتماعية متعددة. وقد تناولت السينما المصرية هذه الصورة وركزت عليها، سواء في الثلاثية، أو الطريق، أو السمان والخريف، أو القاهرة 30.. أو حتى في المعالجات السطحية لرواية الحرافيش، التي ركزت على لجوء المرأة إلى استغلال جسدها إرضاء لطموحها المادي، أو لكبريائها الأنثوي كما قدمته صفية العمري في فيلم الحرافيش، أو نادية الجندي في فيلم شهد الملكة.
اقرأ أيضًا: نجيب محفوظ: لم أدرك أن الإنجليز يُهزمون إلا في كرة القدم
وقد كشفت إدارة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة مؤخرًا، أن الدورة الخامسة التي كان من المفترض انطلاقها في فبراير 2021م، ستشهد الإعلان عن نتيجة إستفتاء ينظمه المهرجان لاختيار أفضل 100 فيلم عربي للمرأة. وهي الأفلام التي تعرضت لقضايا المرأة. أو التي أبدعتها المرأة كمخرجة. عبر تاريخ السينما العربية الطويل لأكثر من 100 عام. ولكن بسبب ظروف كورونا والاجراءات الاحترازية، أعلنت إدارة المهرجان -مؤخرًا- تأجيل الدورة الحالية.
ويثير مهرجان أسوان لسينما المرأة، منذ دورته الأولى، العديد من إشكاليات تعامل السينما مع قضايا المرأة. هل كانت واقعية بهذه القضايا أم ساهمت في ترسيخ صورة نمطية يحاول المجتمع التخلص منها وهو يدخل ركب الحضارة والتحديث بدفع الكتف؟
المرأة العاملة أم ربة المنزل؟
ويمكن الإشارة إلى فترة الأربعينيات أنها الصحوة الذهبية للمرأة حيث بدأت يزداد إقبالها بكثافة على التعليم الجامعي، وتظهر إسهاماتها في مجالات العمل المختلفة كالمحاماة والتدريس والطب. وتقلد الوظائف الحكومية الكبرى. وقد علت في تلك الفترة المطالبة بحقوق المرأة، ورُفع شعار المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات. وأخذت هذه المسائل جدلا واسعًا في المجال العام.
ولقد تعرضت السينما للمرأة التي تسعى لتحقيق ذاتها، والإصرار على بلوغ نجاحات وظيفية وعلمية مثل الرجل تمامًا، ولكنها في أغلب الأحيان ستكون سببا في تدمير أسرتها، وفقدان الحب والرعاية التي تستحقها من الرجل. كما في فيلم «مراتي مدير عام». فنجاح المرأة في عملها يهدد هيبة الرجل وسلطته على زوجته، بل قد يهدد مكانته في المجتمع التي أبدًا لن يتنازل عنها. وعلى ذلك ظهرت مجموعة من الأفلام تمتدح نموذج ربة المنزل وترسخ لكونه الأصل في صلاح الأسرة المصرية. مثل أم العروسة، وأمينة المطيعة في بين القصرين. ونادرًا ما يمتدح فيلم نموذج المرأة العاملة ويؤكد على أهمية المساواة بين الجنسين، قد لا نذكر منها سوا دور فاتن حمامة في فيلم «الأستاذة فاطمة».
اقرأ أيضًا: خدعة دماغية وقوة عاطفية.. لماذا نبكي عند مشاهدة الأفلام؟
المرأة الساقطة أم الضائعة؟
لم تقتصر نظرة السينما إلى المرأة كونها مجرد جسد مثير للغرائز، أو أنها ناقوس القيم والأخلاق في المجتمع. بل أصبحت أفلام من هذه النوعية تستخدم المرأة كرمز للمرحلة السياسية التي يشهدها المجتمع، فلو صلحت البلاد صلحت المرأة، وإذا انهزمت البلاد، سقطت المرأة وانتهكت عذريتها، وسقطت في بئر سحيقة من العار والهوان. ففي أفلام مثل: دلال المصرية، شلة الأنس، الحرام، شيء من الخوف، ثرثرة فوق النيل. ارتبطت بطبيعة الظرف الذي أنتج هذه الروايات قبل أن تصير أفلامًا. ولعل بعضها تعرض لمصير وشيك بالمصادرة والمنع من العرض.
شرف البنت زي عود الكبريت
ولقد تم التكريس لمسألة شرف البنت والحفاظ على عذريتها، وبالتأكيد لن تخلو قائمة المئة الفيلم التي يعدها مهرجان أسوان الدولي من التكريس لمسألة شرف البنت والحفاظ على عذريتها، وارتباطها بصلاحها أو سقوطها. بالطبع يأتي إحسان عبد القدوس في الصدارة في إثارة هذه النقطة مع كمال الشيخ في فيلم بئر الحرمان، ومع عاطف سالم في فيلم أين عقلي، وأنف وثلاث عيون.
وطالما أنتِ امرأة بأنتِ متهمة طوال الوقت بالخيانة، وارتكاب الفواحش. وهذا ما كرست له أفلام عديدة مثل العذاب امرأة، والعذاب فوق شفاه تتبسم، وغابة من السيقان. وجميعهم من بطولة النجم الراحل محمود ياسين، والذي لعب دور زوج خائن، أو زوج مسكون بهاجس أن امرأته خائنة. ولعل إحسان عبد القدوس أراد من هذه القصص أن يضغط على وتر المجتمع الذي يفقد بوصلته في السبعينيات وينجرف وراء تيار الانفتاح دون أساس صلب يتكئ عليه.
اقرأ أيضًا: نساء في حياة العلماء.. كيف كانت المرأة سببًا في إسعاد البشرية؟
المرأة صانعة السينما
وعندما ننبش في الذاكرة المصرية عن المرأة المبدعة في مجال السينما، ستطل علينا عزيزة أمير وفاطمة رشدي وبهيجة حافظ. وخاصة عزيزة أمير التي أنتجت أول فيلم مصري صامت عام 1927. ولكن مع ذلك تظل هذه الأفلام محاولة منقوصة لرسم صورة للمرأة المصرية، كما يشير كتاب «المرأة في السينما المصرية» للأستاذ محمود قاسم، والذي يؤكد أن المجال كان أقل من استيعاب قدرات المرأة المبدعة.
وربما غابت المرأة المصرية كصانعة أفلام بشكل واضح حتى فترة الثمانينيات، وبروز أسماء البكري على الخصوص رغم ندرة إنتاجها، رائعة ألبير قصيري شحاذون ونبلاء. أو إيناس الدغيدي والأجرأ في طرح كثير من المسكوت عنه في حياة النساء منذ عفوأ أيها القانون ومذكرات مراهقة ودانتيلا ولحم رخيص.
وفي كتاب «صورة المرأة في السينما العربية.. حصاد 2019»، الصادر عن مهرجان أسوان لأفلام المرأة في دورته الرابعة (10 ـ 15 فبراير 2020)، يؤكد تراجع إسهام المرأة في صناعة السينما في معظم الدول العربية. ما يضعنا أمام تساؤلات حول القائمة المرتقبة.. كيف كانت صورة المرأة كما رآها صناع السينما الرجال خلال مئة عام؟