«شيخ كُتاب أتميدة».. الطريقة القديمة بالزُخمة واللوح في تحفيظ القرآن

الشيخ «عبدالفتاح عباس» حكاية رجل يعيش في الزمن الجميل لدولة التلاوة وطرقها القديمة في تحفيظ القرآن الكريم.
وفي الوقت الذي تضرب التكنولوجيا الحديثة بجذورها في كل بيت مصري وكل مؤسسة، مازال هذا الركن البعيد الكائن في مدخل قرية «أتميدة» مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، يحتفظ بماضيه ويتمسك به، فثمة شيخ كُتاب يدعى «عبدالفتاح عباس» وعشرات الاطفال يلتفون حوله بينما هو يمسك بعصاه «الزُخمة» ويتلو عليهم آيات من الذكر الحكيم لتحفيظهم، على طريقته التي تلقاها من مشايخه قديمًا.
منذ حوالي 20 عامًا، وبينما كان الشيخ عبدالفتاح عباس الذي درس العلوم الشرعية والقراءات العشر في معهد تفهنا الأشراف التابع لمشيخة الأزهر الشريف، مازال طالبًا يتلقى العلوم الدينية والأزهرية، أراد أن يكون خادمًا لحضرة القرآن الكريم، لازم شيخه الذي أحضره له والده ليحفظه القرآن الكريم في رحلتهم لدار التحفيظ حينما كان صغيرًا فأراد أن يصبح مثله يحفظ أطفال القرية القرآن الكريم وقد كان، “كان نفسي أكون خادم للقرآن وأحفظه لكل طفل هنا”.
يدرس الشيخ عبدالفتاح عباس العلوم الشرعية في مدرسة «كوم النور» القريبة من قريته منذ تخرجه في العام 2005، فضلا عن عمله في بلدته كمحفظ للقرآن الكريم تابعا للأزهر الشريف، ولكنه فضل أن يتمسك بالطريقة القديمة في تحفيظ الأطفال في القرية القرآن الكريم.
ويقول الشيخ عبد الفتاح عباس:”أصررت على أن أحفظ الطلاب بالطريقة التي كنت أتعلمها على يد مشايخي وأنا صغير، والتي تعتمد على تصحيح اللوح الجديد للأطفال وتلاوة الوِرد عليهم”.
شاهد حكاية الشيخ عبدالفتاح عباس.. وطريقته في تحفيظ القرآن:
فوق الحصير
حينما تذهب إلى أحد أطراف قرية أتميدة بمحافظة الدقهلية حيث الساحة الخضراء التي تحضتن عشرات الأطفال من أعمار متفاوتة، ربما تعود بالذاكرة لأكثر من خمسين عامًا، الأطفال يتراصون بجوار بعضهم منهم من يجلس فوق الحصير، ومنهم من يقف في انتظار دوره لتسميع الجزء الذي حفظه من القرآن.
في حين يجلس الشيخ عبدالفتاح عباس فوق كرسيه ينادي على كل طفل وفقًا لدوره ليلقي عليه ما تيسر من آيات القرآن الكريم، الأصوات هناك متداخلة ومتباينة وفقا لأعمار الأطفال.
وأردف الشيخ لـ«الناس.نت»:”أحرص على أن أراجع لهم ما تم حفظه في الماضي، حتى لا ينسى الطفل ما سأحفظه له مع الجديد”.

القرآن حلم الطفولة
نشأ عبدالفتاح عباس في بيئة ريفية صِرفة، لأب وأم «أميين» لا يعرفان الكتابة والقراءة، ولكن والده حرص على أن يعلمه ويحفظه القرآن الكريم على يد شيخ القرية “الشيخ صبري الصباغ”، والذي حببه في العلوم الدينية وعزز في داخله حب الدراسة في الأزهر.
يحكي الشيخ عبدالفتاح عباس:”كنت بسمع وأنا رايح واسمع وأنا جاي لحد ما حفظت القرآن وأنا سني 11 سنة، وكان هو و والدي السبب في حبي لتحفيظ القرآن وتدريس العلوم الشرعية، وكانت الطريقة التي تعلمناها على يد مشايخنا كانت بها غلظة وأنا أحاول أن أخفف ذلك الآن وأنا أدرس لأطفال الفترة الحالية”.
وأضاف :”لهذا قررت بعد أن التحقت بالجامعة أن اتولى مهام تحفيظ القرآن لأجيال القرية، بعد إلحاح أهل البلدة عليّ”.

دراسته للقراءات العشر مع الدراسة في الجامعة، ساعده في أن يتقن التحفيظ سريعًا، “كنت بحضر يوم واحد في الأسبوع أحضر محاضراتي، وارجع الكُتاب أحفظ الأطفال، وكان أساتذتي يساعدوني في ذلك حتى حصلت على الليسانس، وكنت أتمنى أن أكون محفظًا للقرآن في الأزهر ولكن الله لم يوفقني واصبحت معلمًا”.
ويستدرك الشيخ عبدالفتاح عباس:” لكن الله حقق لي حلمي وخدمت القرآن في قريتي إلى جانب التدريس لطلاب الإعدادية والثانوية في المدرسة”. ومنذ أن افتتح مكتب التحفيظ في القرية وحتى تلك اللحظة مازال يعتمد الطريقة التقليدية في التحفيظ ويرفض إدخال اية تجديدات عليها.
«الزُخمة» أسلوب العقاب
تتابعت السنوات وتعلق قلب الشيخ عبدالفتاح عباس بتحفيظ القرآن للأطفال، يسعد حينما ينتهي تلميذه من ختم القرآن الكريم، فقرر ألا يتوقف عن التحفيظ إلى جانب عمله كمدرسا تابعا لمشيخة الأزهر الشريف، ينزل كل يوم في تمام الثانية عشرة ظهرا وربما بعد ذلك بقليل، يكون طلابه في انتظاره يرتلون على بعضهم ما تم حفظه ويصححون أخطائهم قبل قدوم الشيخ عبده، كما يطلقون عليه، يخشون من عقابه الذي نال هو الآخر قسطًا من القِدم والتراث العتيق، “أنا بعتمد أساليب الثواب والعقاب القديمة، من يحفظ الوِرد أقدم له مكافأة مصحف، ومن يخطئ يُعاقب بالزُخمة”.

ما هي الزّخمة؟
والزخمة هذه عبارة عن عصا خشبية متوسطة السُمك مربوطة في نهايتها بجلدة سميكة سوداء، يمسك بها طوال مدة التحفيظ التي قد تتجاوز الست ساعات، ينظر إليها الأطفال مترقبين، يعاودون التلاوة على أنفسهم، حتى يتأكدوا من تمام الحفظ قبل أن تأتي لحظة الوقوف أمام الشيخ عبدالفتاح عباس شيخ كُتاب أتميدة.
ويختتم الشيخ عبدالفتاح عباس بقوله :”فيه طالب صغير لسه مش عارف أنا بلقنه حتى يتقن القراءة السليمة، وبالنسبة للعقاب أنا بأحاول تأهيل الطفل بصورة متوازنة بين الماضي والحاضر، لأنه العقاب زمان كان قاسي للغاية، وبيكون هدفي وقبل العقاب أنا أريد أن أقومهم والعقاب يكون هدفه التحذير وليس العقاب في حد ذاته”.
وفيما يتعلق باستخدام الزخمة في العقاب فإن الشيخ عبدالفتاح يسعى طوال الوقت على التدرب على الإمساك بها حتى لا يتسبب في إحداث أي ضرر بالطفل، فهو لايريد أن يحدث للأطفال ما كان يحدث له وهو صغير حينما كان يُعلف على الفَلكة”.
شاهد أيضاً:
حكاية الحج حمام.. راهب في حب السما والطير
وراء كل حجر ..
إسلام يوسف .. العيش على هامش الحياة بسبب الهيموفيليا
https://www.youtube.com/watch?v=oCDbfk8B7So