لا مكفوفون ولا مبصرون.. 6 ملايين مصري يواجهون معاناة «النظر الواضح»
لا تزال يسرا حمزة (31 عاما) تتذكر ضيق بعض من زملائها في المدرسة، إذا طلبت منهم وضع قطعة كاربون لطباعة الكلمات التي يكتبونها في كراساتهم؛ لإنها لا ترى ما يكتبه المدرسين أعلى السبورة بشكل مباشر.
6 ملايين حالة
تعد يسرا واحدة من أصل ما يقارب من 6 مليون حالة في مصر تعاني من ضعف الإبصار، لا ينتمون إلى المكفوفين، ولا يدركون رؤية الأشياء بالنظارات الطبية، لكنه ضعف بصر يعيشون به للأبد، ويحتاج نوع من التأهيل والتدريب.
تقول حمزة، لمنصة «الناس دوت نت»، إنها ولدت بضعف في البصر أدركته منذ الصغر، وحين فطن أهلها إليه، زادت مخاوفهم، لكن الفتاة الثلاثينية تقول الآن “الأفضل لنا كما الأفضل لكل أصحاب الإعاقات.. الدمج وليس العزلة. نحن قيمة مضافة ولن تمنعنا مخاوفنا من العيش كبشر طبيعي في المجتمع”.
مواقف يومية
ومن الطفولة إلى الشباب، تتعرض حمزة إلى مواقف شبه يومية في الشارع تدرك معها قلة الوعي عن مرضى ضعاف البصر، وتردف الشابة أنها كانت في إحدى المرات في منطقة تسأل على أحد المحال، فأجاب أحد المارة “قدامك أهو مش شايفاه؟!”، مما أثار حفيظة الفتاة وجعلها تحدث نفسها إنها ليست كفيفة، لكنها بالفعل لا ترى اسم المحل.
بسبب قلة الوعي، لجأت الفتاة منذ حوالي العام إلى عصا بيضاء، والتي يحملها المكفوفين، تقول: «أعتقد إنني لا أحتاج إليها، لأني لست كفيفة، لكنها إشارة مني للمجتمع إن لدي مشكلة في البصر، وأحتاج مساعدة، وقد ساعدتني كثيرا في هذا».
ترفض حمزة وضع قيود لحدود قدرتها، وتوقن خريجة الفنون الجميلة إن ضعاف البصر بشر في نهاية الأمر، ليسوا خارقين، لكنهم لديهم قدرات لا يمكن تجاهلها بسبب قصور في حاسة واحدة، تتابع “مشكلة الأبصار لا تعني إن سمعي عبقري، لكني أحاول الانتباه بباقي الحواس بشكل أفضل”، انخرطت الفتاة في المجال التوعوي لمساعدة أصحاب الأعاقات البصرية، الأمر الذي جعلها تدرك أن الوعي هو أول درجات سلم فهم المجتمع لطبيعة أصحاب ضعف البصر.
تثني «حمزة» على مبادرة أطلقتها مؤسسة بصيرة، وهي مؤسسة لذوي الإحتياجات البصرية، تهدف إلى التوعية بضعاف البصر، والتي أطلقتها بشكل مبتكر، بنشر صورتين لفنانيين وشخصيات عامة، إحداهما صورة الفنان كما يراها الشخص الطبيعي، وأخرى كما يراها ضعاف البصر، بإعاقاتهم المتنوعة.
قصة كفاح وراء بصيرة
وفي هذا السياق، تقول دعاء مبروك، المدير التنفيذي لمؤسسة «بصيرة»، لمنصة «الناس دوت نت» إن «بصيرة» التي أسست منذ 15 عاما ومعنية بأصحاب الإعاقات البصرية، فضلت تسليط الضوء على ضعاف البصر الذين لا تصلح معهم النظارات الطبية، أو العمليات الجراحية من خلال هذه الحملة.
مبروك، والتي أسست الجمعية عقب إصابة ابنها محمد فريد، لم تكن تعرف أي شيء عن ضعاف البصر قبل إصابة ابنها، لتقرر السفر إلى كندا لعرضه على الأطباء ودراسة حالته، حتى كرست حياتها لفهم طبيعة المرض، ثم حصلت على درجة الماجستير في التعامل مع أصحاب الإعاقات البصرية، ثم تعود لمصر –بصحبة ابنها وعمره الآن 33 عاما- لتؤسس الجمعية التي تقدم مساعدات لضعاف البصر والمكفوفين، وتساعد في إتمام عمليات جراحية للمحتاجين.
رسالة توعية
وتكمن صعوبة التعرف على مرض ضعف الإبصار في مرحلة الطفولة، إذ يظن بعض الأهالي أن ابنائهم لا يحتاجون سوى نظارات، لكن ضعاف البصر يظلون يواجهون مشكلة حتى وإن اضطر بعضهم لارتداء نظارات، مثل أب جاء لمؤسسة بصيرة منذ سنوات، وقدمت له مبروك نظارة تمكنه من رؤية العالم حوله كما يراه ابنه، وقتها أدرك ما يعانيه ابنه، حسبما تحكي مؤسسة «بصيرة».
وتردف مبروك أن فكرة الحملة جاءت على أساس إيصال رسالة توعوية للمجتمع عن ضعاف البصر، وكيف يرون العالم من حولهم، وإنهم ربما يضطرون للنظر جانبا، وليس الوقوف بشكل معتدل، حتى يرون ما حولهم بشكل أوضح، وكثير منهم يحتاج إلى وقت أطول من الأشخاص الأصحاء لاتضاح الرؤية.
وتتابع: «بعض الناس يرى في النظرة الجانية قلة احترام.. ضعيف البصر إذا تعرف عليك اليوم، ربما لن يتعرف عليك غدا إلا من صوتك. هذه معاناة يومية تحتاج إلى تضافر الجهود من المجتمع لمساعدة ما يقارب من 6 مليون شخص في المجتمع المصري».
تضامن واسع
وعمدت الحملة المنطلقة في شهر فبراير، والذي يعد شهر التوعية بأصحاب الإعاقات البصرية عالميا، إلى عدد من المشاهير والشخصيات العامة من أجل نشر الوعي عن ضعاف البصر، حسبما تقول منة أشرف، مديرة التسويق في مؤسسة بصيرة، لمنصة “الناس دوت نت”، وأبرزهم إياد نصار، أحمد فهمي، منى زكي، أكرم حسني، وإنجي المقدم، وريهام عبد الغفور، وعلا رشدي وغيرهم من نجوم الفن.
وتتابع أشرف، أن الجمعية تقدم جلسات لرفع الوعي في المدارس وبالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني من أجل التوعية بضعاف البصر واحتياجاتهم، وتقول: «الهدف ليس جلب الشفقة، ولكن التعاطف للفهم، ففضلنا أن نعرض صور للفنانين وكيف يراها ضعاف البصر».
«الناس ليسوا أبيض أو أسود في الرؤية.. أي ليسوا مكفوفين ومبصرين فحسب، بينهما هناك عدد من ضعاف البصر ومنهم من لا تصلح معه العمليات أو النظارات الطبية…» بهذه الجملة تختم أشرف حديثها عن ضعاف البصر، مشيرة إلى أن الجمعية تقدم التأهيل والتدريب لضعاف البصر.
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp
Share on email