دروب الحج القديمة.. الطرق التي سلكها المسلمون الأوائل إلي بيت الله الحرام
منذ فجر الدعوة الإسلامية، يهرول المسلمون من دروب الحج القديمة في نفس الموعد من كل عام صوب بيت الله الحرام في مكة المكرمة تلبية لقول الله تعالي “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”.
قديمًا؛ لم تكن أغلب الطرق المؤدية إلي مكة المكرمة ممهدة بشكل كبير، كما عاني أغلبها من خطر قطاع الطرق وعصابات السطو على القوافل، ما أدى لاعتماد طرق ودروب بعينها يسلكها الراغبون في تأديه مناسك الحج، حيث أولت الخلافات الإسلامية اهتماما لتطوير وتهيئة دروب الحج القديمة.
درب زبيدة:
يُعد الأشهر في تاريخ طرق الحج ومساراتها، وسُمى نسبة إلي زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد وحفيدة مؤسس الدولة العباسية ويُعرف ايضا بـ”الدرب الكوفي”، وكان طريقًا تجاريًا قبل الإسلام وتحول إلي مسار للحجيج.
عملت زبيدة على تحديد الطريق ورصفه وإنشاء محطات وحفر آبار وتدشين منازل واستراحات.
يسلك “درب زبيدة” الذي يبلغ طوله 1400 كيلومتر أهل بغداد إلى مكة المكرمة، حيث يبدأ من الكوفة مرورًا بـ”النجف وزبالة والخضراء وبركة الساقية وسميراء وجبل ماوان ومعهد الذهب”، ووصولًا لـ”الزيمة ومكة المكرمة”.
تعرض لهجمات القبائل بدءًا من القرن الرابع وتعرضت بعض محطاته للتخريب وتوقف الحجيج عن استخدامه.
عُطل تماما بعد سقوط بغداد على أيدى المغول وتحول إلي أطلال.
الدرب البصري:
يلى في الأهمية “درب زبيدة”، ويبدأ من مدينة البصرة العراقية مرورًا بوادي الباطن شمالي شرق شبه الجزيرة العربية، ووصولًا إلى نجد السعودية ثم يلتقي مع طريق الكوفة في أم خرمان أوطاس
كان يخدم حجاج العراق والشام، وعرف بتعدد آبار المياه العذبة.
طور في عهد الدولة الأموية خاصة من قبل الحجاج بن يوسف الثقفى، ثم عانى من الإهمال مع نهاية العصر العباسي ولم يبق منه إلا آبار وسدود قليلة.
الدرب الشامي:
يبدأ من دمشق مرورًا بـ”درعا وأذرعات ومعان والمدورة” ووصولًا لـ”حالة عمار وتبوك ومكة المكرمة”، ويُعتبر أكثر الدروب أمانا خاصة خلال فترة الخلفاء الراشدين والدولة الأموية والعباسية
كان الحجاج يذهبون فرادى دون حماية.
عُرف بوجود المنارات على طول مساره، بالإضافة للقنوات والبرك والآبار والمحطات والاستراحات، وبسبب ضعف الأمن في عام 200 هجريًا، بدء الحجاج في استخدام الطريق التبوكي فقط.
مع تفكك الدولة بين العراق والشام وحروب الصلبيين هجر الحجيج “الدرب الشامي” واستبدلوه بـ”درب تيماء”
أعاد المماليك الاهتمام بـ”الدرب الشامي” وزادت أعداد الحجاج حتى قُدروا سنة 674 هجريًا بـ60 ألف رحالة، وبخلاف أهل الشام، سلكه العراقيون والفارسيون وأهل القوقاز ومسلمو الأناضور وأوروبا، وتقاطع مع الدرب المصري.
الدرب المصري:
كان يخدم حجاج مصر وليبيا ودول المغرب العربي والأندلس وإفريقيا، حيث يسير الحجاج داخل سيناء حتى ساحل البحر الأحمر من داخل أراضى الحجاز ثم ينقسم “الدرب المصري” إلي مسارين
طريق داخلي يقطع شبه الجزيرة العربية باتجاه الجنوب الشرقي، ويلتقى مع نظيره الشامي ويسيرا معًا إلي المدينة المنورة ثم إلي مكة المكرمة.
والطريق الأخر ساحلي يحازي شريط البحر الأحمر من داخل أراضي الحجاز يُمر بـ”الجحفة ثم مكة المكرمة”.
في السنوات الأولى للإسلام كان الحجاج يستخدمون الطريق الداخلي أكثر من الساحلي، ثم تبدل الحال وتعددت البرك والآبار على “الدرب المصري”، وشُيدت المساجد والاستراحات ورُصف بالحجارة وزُين بالنقوش العربية.
انشأ السلطان محمد بن قلاوون قلعة الأزنم على طريق الحج المصري، وتبعها قلعة الزريب في عصر السلطان العثماني أحمد الأول.
الدرب اليمني:
تعددت دروب الحجاج التي ربطت اليمن بالحجاز ومكة المكرمة وانطلقت القوافل من عدن وتعز وصنعاء وزبيد وصعدة، وكان “الدرب اليمني” يخدم حجاج الهند وماليزيا وإندونيسيا والحبشة والصومال.
شمل “الدرب اليمني” على 3 طرق رئيسية:
– طريق ساحلي يمر بمحازاة البحر الشرق
– طريق داخلي عُرف بـ”الجادة السلطانية”، حيث كان يبدأ من تعز وصولًا للميقات في يلملم
– طريق الأعلى المعروف باسم الطريق الجبلي والذي يبدأ من صنعاء باتجاه صعدة وصولًا لميقات قرن المنازل.
الدرب العماني:
انقسم “الدرب العماني” إلي طريقين:
– الأول يبدأ من عمان إلى يبرين والبحرين مرورًا بـ”اليمامة وضرية” ووصولًا لمكة المكرمة، وكان الحجاج يلتقون بقوافل الدرب البصري ويسيرون معا إلي مكة المكرمة.
– الطريق الآخر يتجه إلى فرق ثم عوكلان، ويمر بـ”الدرب الساحلي الموازي للبحر الأحمر أو الطريق الداخلي من اليمن إلى مكة”.
وأغلب الحجاج كانوا يسلكون الطريق الثاني حيث شهد تواجد عديد المنازل والاستراحات وبرك المياه
الدرب البحريني:
يُعد أحد روافد طريق الحج البصري، وتكمن أهميته بعبوره الأجزاء الوسطى من شبه الجزيرة، حيث يربط بين الحجاز والعراق
اهتمت الدولة الإسلامية قديمًا بهذا الطريق ووفرت الحماية لقوافله من قطاع الطرق.