سوشيال ناس

دار الكتب المصرية.. 150 عامًا من حراسة التراث العربي

في 23 مارس 1870م؛ أنشأ الخديوي إسماعيل، كتب خانة، والمعروفة حاليًا بـ دار الكتب المصرية. والتي مازالت تعتبر من أكبر وأهم المشاريع الثقافية التي أنشأها الخديوي إسماعيل. وقد صاحبَ ذلك قرارٌ بتكليف علي باشا مبارك، أن يكون مسؤولًا عن الكتب التي تُمنح للمساجد والمؤسسات التعليمية، من قبل العلماء، أو بعض أفراد العائلة المالكة.

اقرأ أيضًا: ثروت عكاشة.. «فارس الثقافة» الذي أعاد تشكيل الوعي الفني للمصريين

بناءً على نصيحة علي باشا مبارك؛ تم التخطيط لبناء دار الكتب على طراز المكتبة الوطنية في باريس. وسرعان ما بدأت عملية نقل الكتب من مختلف الثقافات واللغات إلى المكتبة الجديدة. قدم الخديوي إسماعيل كل أنواع الدعم والمساعدة لوزير التربية والتعليم؛ وتقديراً لدور الثقافة في تعزيز التنمية في المجتمع. كما أولى الخديوي اهتمامًا خاصًا بآثار الأمة.

قطعة أرض من أجل المكتبة الجديدة

في عام 1886، تم فرض قانون جديد يوجب إيداع أي مطبوعات في البلاد لدى دار الكتب. وهكذا صار قصر الأمير مصطفى فاضل، الذي كان يستخدم كمكان للمكتبة آنذاك؛ مكتظًا بسبب التدفق المستمر للكتب والمطبوعات الجديدة.

اقرأ أيضًا: آندي العربي.. أول كفيفة تدرّس اللغة اليونانية للمبصرين

وفي 19 يناير 1898؛ تمت مصادرة قطعة أرض من أجل بناء مقر جديد وأكبر لدار الكتب المصرية، بموجب مرسوم من الخديوي عباس حلمي الثاني.

دار الكتب قديما
دار الكتب قديما
خلقت دار الكتب جوًا ثقافيًا مميزًا في مصر

تم وضع حجر الأساس للصرح الجديد في الأول من كانون الثاني (يناير) 1899. قاد الخديوي عباس حلمي الاحتفالات التي أقيمت في باب الخلق. احتلت الكتب المبنى بأكمله؛ ومع ذلك، فقد تم تخصيص الطابق الأرضي لأنتيك خانة بيت الآثار الإسلامية، المعروف اليوم باسم المتحف الإسلامي. تم بناء المكتبة عام 1903، وأقيم حفل الافتتاح في فبراير 1904.

جذبت المكتبة التي لا تقدر بثمن وعناوينها الثرية انتباه العلماء وأعضاء المجتمع الفكري في مصر، فضلاً عن العديد من الأوساط الثقافية في مختلف البلدان العربية والإسلامية. كما ساعدت دار الكتب في باب الخلق في خلق جو ثقافي مميز ولعبت دورًا مهمًا في تعزيز الحياة الثقافية في مصر.

ثورة يوليو.. ثورة ثقافية

ازدادت أهمية دار الكتب بعد اندلاع ثورة 23 يوليو 1952. حيثُ أولت الثورة المصرية اهتمامًا كبيرًا للأنشطة الثقافية، بما في ذلك المسرح والسينما، وقدمت دعمًا كبيرًا لدار الكتب. مع تدفق الكتب؛ ازدياد عدد القراء الوافدين إلى المكتبة، ما إدى إلى التعجيل بنقلها إلى مبنى جديد يطل على النيل. تم افتتاح الموقع الجديد رسميًا في عام 1971، ومنذ ذلك الوقت، تُرك المبنى القديم في باب الخلق دون استخدام لأكثر من 25 عامًا.

تطوير المبنى وفتح متحف فيه

في منتصف التسعينيات، تم إحياء خطط ترميم المبنى في باب الخلق لاستعادة موقعه اللامع على الخريطة الثقافية للبلاد، كذكرى للأمة. الخطة بهدف تطوير المبنى الجديد المطل على النيل ليكون بمثابة مكتبة وطنية. بينما استخدم المبنى القديم في باب الخلق في عرض وإتاحة المخطوطات والبرديات والكتب النادرة والأدبية الكلاسيكية للباحثين والعلماء والقراء. علاوة على ذلك، أوصت اللجنة التي كلفت بتحديث صرح باب الخلق بضرورة فتح متحف في المبنى لعرض مساهمة مصر العظيمة على وجه التحديد في الثقافة العربية والإسلامية والبشرية بشكل عام. وعليه تم نقل نسخ نادرة من القرآن الكريم ومخطوطات ومعروضات لا تقدر بثمن إلى المتحف الجديد.

دار الكتب
دار الكتب
الغرض الرئيسي لدار الكتب

تمثل الغرض الرئيسي لـ دار الكتب المصرية في حفظ المخطوطات سواء العربية أو التركية أو الفارسية، ومساعدة العلماء في أبحاثهم. كما ساعدت وسائل تبادل المعلومات والاتصالات الحديثة وصول المستخدمين من جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، يجب أن يتوقع الزوار رحلة سهلة وممتعة في مبنى باب الخلق باستخدام مرافقه المختلفة. تم تجهيز المكتبة أيضًا لتعزيز الاستخدام الدقيق لمجموعة التراث الغني للمكتبة. بالإضافة إلى ذلك، يساعد معمل الصرح المجهز تجهيزًا جيدًا في ترميم المخطوطات التالفة وفقًا للأساليب العلمية.

ملايين الكتب والمخطوطات 

ومع ذلك، لم يكن المبنى القديم في باب الخلق مجهزًا بشكل مناسب ليكون بمثابة المكتبة الوطنية. مبنى اليوم قادر على عرض أكثر من ثلاثة ملايين كتاب ومخطوطة وبرديات ودورية. ومن المقرر أيضًا أن تعمل مكتبة باب الخلق القديمة على طراز المكتبة الوطنية في باريس. يعرض الأخير مخطوطات وعملات معدنية وخرائط ويوفر الوصول إلى مكتبة موسيقية. من المعروف أن الفرنسيين خصصوا مبنى جديدًا يطل على نهر السين في جنوب باريس لخدمة أغراض مختلفة وعرض مقتنيات ثقافية مختلفة.

مرآة مصر الثقافية

تم إعادة تصميم التصميم الداخلي للمبنى لإضافة منظر بانورامي جميل في الداخل وفي نفس الوقت للاستفادة القصوى من المساحات. تمت إزالة الجدران غير المتوافقة التي أضيفت أثناء أعمال التوسعة السابقة. يعد المشروع أبرز مساهمة مصر الهائلة في الثقافة العربية والإسلامية. تم تطوير دار الكتب لتعزيز صورة مصر ودورها إقليميًا ودوليًا.

اقرأ أيضًا: مكتبة الشارع.. ملتقى التواصل الإنساني

بدأ مشروع تجديد وتطوير دار الكتب في أواخر عام 2000 وتم الانتهاء منه بنجاح في ديسمبر 2006. وتمثل جزء من ميزانيته البالغة 85 مليون جنيه في تبرعات بقيمة 29 مليون جنيه مصري قدمتها شخصيات ومؤسسات مصرية وعربية.

دار الكتب
دار الكتب

سوف يدرك زوار المبنى المهيب لدار الكتب بسرعة أن المهندسين المعماريين قد نجحوا في تكوين مزج رائع بين العمارة الفريدة والحداثة للمبنى. المهندسين المعماريين والاستشاريين والعمال المصريين أنجزوا مهمة عظيمة.

شهدت دار الكتب، ظروفًا مؤسفة على مر السنين. فقد تم إنقاذ المبنى التاريخي من سنوات طويلة من الإهمال عام بعد تنفيذ مشروع طموح للتجديد والترميم منذ عام 2000. حيث يعد بناء دار الكتب نموذجًا بارزًا لبراعة الهندسة المعمارية. وصارت دار الكتب اليوم؛ مثالًا رائعًا لاستخدام التكنولوجيا الحديثة، في حماية التراث العربي والمخطوطات النادرة.

المزج بين الأصالة التاريخية والحداثة

بالإضافة إلى الطابق السفلي، يتكون المبنى من طابق رئيسي وميزانين. يحتوي الطابق الرئيسي على غرف للمطالعة ومتحف المخطوطات بارتفاع ثلاثة طوابق. يحتوي الميزانين الأول على غرفة الميكروفيلم والإنترنت. يحتوي الميزانين الثاني على قاعة الأبحاث ومعمل الترميم وقاعة البردي. المبنى بأكمله هو مثال رائع على المزج بين الأصالة التاريخية والحداثة.

تضررت دار الكتب ومتحف الفن الإسلامي بسبب انفجار سيارة مفخخة في 24 يناير 2014 استهدفت مديرية أمن القاهرة، باب الخلق، القاهرة. وبعد تقييم الأضرار تبين أن جميع حالات العرض قد تحطمت بالإضافة إلى عدد من المخطوطات والكتب بسبب مياه الخياطة من مواسير المياه المكسورة والزجاج المحطم. وتعمل وزارة الدولة للآثار على إزالة آثار هذا الهجوم الإرهابي لإعادة المخطوطات والكتب إلى دار الكتب إلى حالتها الجيدة المعهودة دائمًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى