حكايا ناس

«أم مدحت» بهجة رمضان.. 45 عامًا بين الفوانيس

مع حلول شهر رمضان المبارك؛ تمتلئ منطقة “تحت الرَبع” في حي باب الخلق في محافظة القاهرة بشوادر الفوانيس الذهبية والمُلونة. الجميع مع اقتراب الشهر الفضيل يبحث عن أكثر علاماته بهجة وسعادةً “فانوس رمضان”. ولذلك تعد من أهم علامات تلك المنطقة المكتظة بالفوانيس؛ «أم مدحت». تلك السيدة الستينية التي تربت وعاشت “تحت الربع” وبين الفوانيس، فلا يمكن أن تكتمل فرحة الشهر الكريم، بدون ضحكات أم مدحت ومزاحها مع الباعة والمارة.

أم مدحت: من صُغري وأنا بين الفوانيس

ساهمت نشأة «أم مدحت» في منطقة “تحت الربع”، وزواجها في نفس المكان؛ على أن تعمل في مجال بيع الفوانيس. في نهاية شهر رجب من كل عام؛ تجد عندها الفوانيس، ذات الألوان والأحجام المختلفة.

وتشير إلى أنها تحرص كل عام على مواكبة الموضة الحديثة، قائلة: «أنا مهمتي هنا أبيع السعادة والبهجة للناس. ما أقدرش أتخيل إنه ييجي رمضان ما أكونش في خيمتي وسط فوانيسي». يعاونها في التجهيز لاستقبال الزبائن حفيديها لابنتها الوسطى “ياسين وفاطمة”.

اقرأ أيضًا: «مطبخ عزيزة».. مهمة خيرية لـ«سد جوع» 100 محتاج يوميًا

ورغم مسحة الحزن الساكنة في ملامحها، إلا أن لها ابتسامة صافية، ووجه بشوش، وخفة ظل، جعلت أبناء “الربع” جميعهم يعتادون عليها. تقول «أم مدحت» إن الشهرين السابقين لشهر رمضان، وشهر رمضان ذاته؛ ليسا مصدر رزق فقط، ولكنها أيضا أقوى ما يربط جذورها بهذه المنطقة.

لا يمر أحد إلا ويلقي عليها السلام عليها، لقد أصبحت أحد أهم علامات شهر رمضان الفارقة في منطقة “تحت الربع”. تقول «أم مدحت» :«أنا عاملة فراشة الفوانيس دي من زمان، أخدتها هواية، وبعدين تجارة، ودلوقتي بقالي أكثر من 45 سنة».

تجلس «أم مدحت»، وسط الرجال، تبيع الفوانيس النحاسية والخشبية، وتصنع أنواعًا من الفوانيش القماشية. عملت في العديد من المهن من قبل، كمُدرسة في أحد صفوف محو الأمية. تقول: «اتعلمت في سن كبيرة؛ عشان أعلم أولادي. بعد كدة اشتغلت في تفصيل الملابس كنت باخد 3 جنيه في القطعة.  طول عمري بحب، واقفة في السوق من وأنا عندي 15 سنة. كنت باخد يومية 3 و4 جنيه، لكن كنت بفرح بيهم وبشوف ده الشقا الحقيقي والمكسب الحلال، لحد ما قررت اهتم بأولادي بعد زواجي وتفرغت لهم. بعد كدة قررت انزل السوق تاني ولقيتني ببيع الفوانيس من تاني».

الفوانيس بهجة الأطفال

المرة الأولى التي جلست فيها «أم مدحت» أمام خيمة الفوانيس كانت رفقة ابنة عمها. كن يصنعن الفوانيس ذات الطبيعة البسيطة وغير المكلفة، ويطلقن عليها بعض الأسماء الشهيرة في المجتمع المصري. وكانت هذه عادة المصريين مع فوانيس رمضان. تعلق أم مدحت قائلة: «كنت أزوق الفوانيس بنفسي وأوزعها على الناس في الأماكن المختلفة في منطقة باب الخلق. بعد كدة الفوانيس دي انقرضت وظهرت أنواع تانية مختلفة، وبعد كدة سيبتها واشتغلت لوحدي في بيع الفوانيس».

اقرأ أيضًا: تجربة أمريكية في العلاج بالموسيقى أثناء جائحة كورونا

أحبت «أم مدحت» بهجة وفرحة الأطفال؛ فقررت أن تصبح بين هذه الفوانيس منذ أن كانت شابة وحتى يومنا هذا، بل وحرصت على صناعة بعض أنواع الفوانيس القماشية بنفسها، تعلق على ذلك قائلة: «أول ما عملت فانوس كنت أنا اللي بعمله بنفسي. فوانيس الخيامية القماش البسيطة دي كانت الأدوات والإمكانيات رخيصة لذلك الفانوس نفسه كان رخيص».

الفانوس المصري مافيهوش تطور

خلال السنوات الماضية؛ غزا الفانوس الصيني السوق المصري. وأصبحت شوادر فوانيس تحت الربع مكسوة بألوانها الزاهية، فاضطرت أم مدحت على مضض أن تبيعه، فهي تحب الفوانيس المصرية، بالرغم من أنها لم تشهد تطورًا منذ عدة سنوات على حد وصفها. تقول «أم مدحت»: «كل الفوانيس المصرية متغيرتش، لكن زاد عليهم البلاستيك. والصناعة المصرية كويسة، زمان كان الفانوس بخمسة جنيه، دلوقتي بيبدأ من 10 جنيه لحد 350 و 500 جنيه. بنفرش من نص رجب عشان الناس تعرف إنه فيه فوانيس، ولأننا بنبيع جملة كمان مش قطاعي بس».

السنة الماضية كان العالم أجمع على موعد مع كارثة فيروس كورونا المستجد، ومثلما أضر بكل جوانب الحياة اليومية المصرية منذ انتشاره في مارس من العام الماضي. وكذلك سوق الفوانيس، تصف أم مدحت ما حدث بالكارثة الكبرى التي أدت إلى وقف الحال وقفًا شبه تامًا، لكنها تأمل أن يكون هذا العام تعويضًا عما حدث العام الماضي، فتقول: «السنة دي هتكون أفضل إن شاء الله. الإقبال كويس والسوق شغال وتمام. الناس السنة دي مقبلة على الفانوس المصري أكثر من المستورد،  أما القماش طبعًا؛ له رواج كبير».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى