مزقت الحرب في اليمن خلال السنوات الماضية اليمن نفسه، وتسببت في مقتل آلاف المواطنين، وهددت استقرار الحياة، وأوضاع المعيشة في اليمن، وارتفعت نسبة الفقر لأعلى نقطة. ولكن هل تستطيع الحروب والصراعات السياسية المدمرة أن تقضي على الفن في بلد ما؟

في إحدى ضواحي مدينة حضرموت اليمنية؛ كان صوت نورهان خالد الرقيق وهي في التاسعة من عمرها ينتشر على استحياء في المنزل. تقول «نورهان»: «كنت بخاف أغني بصوت عالي في البيت وباتكسف. كنت بكتب كلمات أغنيات فيروز ولا أعرف ليه فيروز بالذات باحب اسمعها بيني وبين نفسي، لحد ما حفظت معظم أغنياتها حتى لو أنا مش فاهمة معظم كلامها، لكن كبرت عليه».
ومع الوقت علمت والدتها بأن لديها صوتًا عذبًا ورقيقًا. كانت تطلب منها أن تغني لها بعض الأغنيات بين الحين والآخر حتى علم كل من في البيت بأنها مطربتهم الصاعدة ومستقبل اليمن الفني القادم.
اقرأ أيضًا: قصص ملهمة│7 أمهات محاربات
المرة الأولى التي غنت فيها «نورهان» أمام جمع من الناس؛ كانت خلال فعالية ثقافية وغنائية نظمتها وزارة الثقافة اليمنية، بعد أن علمت مدرستها أن لديها موهبة مميزة في الغناء.
تقول «نورهان»: «كنت أول بنت تعدي الـ 18 عامًا في اليمن تغني. مافيش بنات في اليمن في سن كبير بتغني، البنات لما بتغني عندنا ومن قبل الحرب بيكونوا في سن صغيرة».

نورهان خالد.. صوت يشدو رغم الدمار
ظلت نورهان خالد تغني في وطنها حتى عام 2015. التحقت بقسم اللغة الفرنسية، ومع الدراسة كانت تمارس الغناء في عدة محافل ثقافية تنظمها المحافظة قبل اندلاع الحرب. ولكن وتيرة الحرب اشتدت، وبدلا من الموسيقى والغناء؛ دوت أصوات المدافع في البلاد.
تقول «نورهان»: «لما الحرب قامت؛ كل شيء توقف، أصبح الخوف وصوت المدافع هما المسيطرين على المشهد في بيتنا والمدينة كلها. فتوقفت أنا عن الغناء، مدة أكثر من عامين لكن الحظ حالف شقيقتي الكبرى ونجحت في السفر إلى ماليزيا. ومن هناك اقترحت عليّ أن أسافر إلى مصر وأشارك في مسابقة «ذا فويس» للغناء».
اقرأ أيضًا: بطل الحرب الذي باع جائزة الأوسكار في المزاد من أجل زوجته
السفر إلى مصر في ظل أوضاع الحرب لم يكن سهلًا. فقد قطعت «نورهان» رحلة من صنعاء إلى عدن، في أكثر من عشر ساعات. لكي تتمكن من السفر من المطار الوحيد المتاح لها السفر من خلاله. وصلت «نورهان» إلى القاهرة بعد رحلة صعبة، وقررت حينها أن تواصل مشورها الفني؛ فالتحقت بأكاديمية الفنون المصرية.
وجهها الصغير ذو الملامح الدقيقة وصوتها العذب الرقيق؛ جعل زملاءها في أكاديمية الفنون يشبهونها بـ «جارة القمر» للسيدة فيروز. أرادت بهذا الصوت بعد أن تغربت عن أسرتها وبلدها، أن تُسمع العالم كله صوت اليمن السعيد، تنقل ثقافته وروحه التي حاولت الحرب طمسها بكافة السُبل، ولكن نورهان ومن هم مثلها أثبتوا أن ذلك مستحيل.