
فاجأت سهام محمد؛ ابنتها حين طلبت منها بطاقة الرقم القومي للتسجيل في الموقع الرسمي لوزارة الصحة والسكان المصرية من أجل أخذ لقاح كوورنا، أنها رفضت بشكل قاطع «لا يمكن أخده أبدا».
السيدة التي تعاني من السكر والضغط والقلب، كانت محل قلق من قبل أولادها منذ ظهور جائحة كورونا في مصر في مطلع العام الماضي، لكن رغم كل الاحتياطات، أصيبت السيدة في منتصف العام الماضي بأعراض البرد.
أنا خايفة
لكنها كانت تشك بأنها أصيبت بفيرو كورونا المستجد «كوفيد – 19»، لم يمكنها الوقت ولا الخوف من «المسحة» من إجراء الفحوص، ورغم ذلك لم تكن متحمسة للحصول على اللقاح، والسبب «أنا خايفة».
لم تتشجع السيدة التي تعمل ربة منزل، في أسرة مكونة من طفلين وزوجها، أن تحصل على اللقاح المجاني، وتفسر “لا أعرف هل هذا اللقاح هو المرض؟ ماذا حدث لمن أخذ اللقاح؟ هل تعبوا؟ لماذا لم يظهر أحد منهم في التلفزيون يحدثنا عن الأعراض؟”، كلها أسئلة طرحتها السيدة بسؤال “الناس دوت نت” عن عدم تسجيلها للحصول على اللقاح.
الشائعات تعزز الخوف
لم تكن «سهام محمد» – 57 عاماً – حالة استثنائية في المجتمع المصري، الذي تشير الأرقام الرسمية من قبل وزارة الصحة أن المسجلين من أجل الحصول على اللقاح هم 1.9 مليون مواطن، في نهاية أبريل الماضي، من أصل كثافة سكانية تشير إلى أن ثلثي المجتمع فوق الثامنة عشر عاماً، أي مؤهل للتسجيل من أجل الحصول على اللقاح.
التردد كان حليف «محمد بشندي» -62 عامًا – في التسجيل في موقع الحصول على لقاح كورونا، قائلاً لـ«الناس.نت» إنه في بداية الأمر وصلت له الشائعات قبل الحقائق عن اللقاح.
وأضاف أن بعض تلك الشائعات لم يتم دحضها من قبل أي مسئول مصري، ويقول :”سمعنا أن هناك من توفوا نتيجة جلطات عقب الحصول على اللقاح في الخارج، وسمعنا أننا سنتلقى اللقاح الصيني قبل أن تتم عليه جميع الدراسات اللازمة”.
وتابع :”لم يرد أحد على تلك الشائعات”.
ويتابع بشندي، والذي يعمل كأستاذ جامعي في إحدى الجامعات المصرية، أن مزاولته لمهنته وعمله لبضعة أيام في الأسبوع حمسه لأخذ الاحتياطات اللازمة ضد الفيروس، مثل ارتداء الكمامة واصطحاب زجاجة كحول.
وأشار إلى أنه يشعر الآن، في خضم موجة شديدة من كورونا في مصر، بأهمية اللقاح، ويقول :”ربما أفكر في الأمر. أخاف على نفسي وأسرتي وطلابي الجامعيين، أعرف أناساً يأخذون احتياطاتهم لكنهم أصيبوا في الموجة الحالية”.
“لم يرد أحد على الشائعات المتعلقة باللقاحات” محمد بشندي
الخوف في مواجهة الموجة الجديدة
بشكل قاطع، تقول نهلة محمد حنفي، وتعمل ربة منزل، إنها لن تحصل على اللقاح مطلقًا، تخشى السيدة التي اكتشفت منذ عدة أشهر إصابتها بمرض مناعي نادر، رفقة الإصابة بالسكر والضغط، ما قد ينتج عنه اللقاح في جسدها، وتعتبر أن الاحتياط أولى.
تتابع حنفي نشرات الأخبار، تأسف لوفاة شابة صغيرة من دوائر معارفها بسبب الفيروس الجديد، لكن هذا لم يشجعها على التسجيل للحصول على اللقاح، لكن الموجة الثالثة، التي دفعت لعودة حظر جزئي للتجوال في مصر، جعلتها تفكر في أن على أولادها الشباب والشابات قد يحتاجون اللقاح.
وتفسر نهلة : “أخشى على أولادي لأنهم أكثر اختلاطا في الشارع والمواصلات والعمل، وأكثر تعرضا – لاقدر الله- للإصابة. ربما أحدثهم في الأمر”.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد حتى الآن أي دليل طبي أن من لم تظهر عليه أعراض «كورونا» سابقًا ليس محميًا للأبد من الإصابة به، أو من النسخ المتحورة التي تظهر منه، إلا أن أحمد حسنين (48 عاما) يعتقد أن مناعته قوية، وأن الفيروس لم يصبه بأي أعراض مثل آخرين، ولذلك يتساءل «لماذا أتلقى اللقاح؟».
يعتبر حسنين أن أخذ الاحتياطات بارتداء الكمامة والكحول وتجنب السلام بالأيدي مثلما أعتاد منذ بداية الجائحة، كلها تغني عن تناول اللقاح، على الرغم من أنه لم يتوقف عن الذهاب لعمله إلا في بداية الجائحة بواقع 3 أشهر فقط.
أرقام رسمية
وتشير الأرقام الرسمية أن من تلقوا اللقاح في مصر حتى الأن حوالي 900 ألف مواطن؛ وفقاً للمتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، د. خالد مجاهد.
وصرح مستشار الرئيس للشؤون الصحية، محمد عوض تاج الدين، بأن من تلقوا اللقاح حوالي مليون مواطن مصري. وكشفت وزارة الصحة المصرية أن عدد من تلقوا الجرعة الأولى والثانية هم 750 ألف مواطن.
وارتفعت أعداد المسجلين للحصول على لقاح كورونا من 1.9 مليون مواطن من نهاية شهر أبريل الماضي إلى أكثر من 2 مليون مواطن حتى نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو الجاري، وفقا لبيانات وزارة الصحة المصرية.
ويُعطى لقاح كورونا على جرعتين بين كل جرعة والثانية 21 يوما، وكانت مصر قد أعطت أولوية في للقاح للأطقم الطبية التي تعمل في الخطوط الأولى في مواجهة الوباء في مستشفيات العزل والحميات والصدرية ومرضى الفشل الكلوي والأورام وأصحاب الأمراض المزمنة الصعبة.
ويوجد حاليا أكثر من 340 مركزًا على مستوى الجمهورية لتطعيم المواطنين بلقاح كورونا، وفقا للوزارة.
يذكر أن وزارة الصحة والسكان أطلقت في 28 فبراير الماضي، الموقع الإلكتروني(http://www.egcovac.mohp.gov.eg/) لتسجيل الفئات المستحقة من المواطنين للحصول على لقاحات فيروس كورونا، ضمن خطة الدولة للتصدي لجائحة فيروس كورونا في إطار الاهتمام بالصحة العامة للمواطنين.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه مصر قفزة في أعداد المصابين والوفيات جراء الموجة الثالثة من وباء كورونا، والتي تجاوزت الألف إصابة يوميا منذ بداية الموجة، فقد وصلت السبت الماضي إلى 1132 إصابة، و66 وفاة.
الخوف من اللقاح… طبيعي؟
وتشير دراسات حديثة إلى أن الآثار الجانبية تعد مؤشرًا على أن اللقاح يعمل، حيث تحفز اللقاحات جهاز المناعة على تقديم استجابة من خلال تعليمه مكافحة المرض في المستقبل يتم ذلك عن طريق خداع الجسم للاعتقاد بأنه قد يكون هناك عامل ممرض في الداخل ومحاكاة بعض الأعراض المعدية.
واعتبر أشرف العدوي، استشاري الأمراض الصدرية، والخبير بمنظمة الصحة العالمية، أن اللقاح ليس فكرة حديثة على البشرية، لكن ربما تكون السرعة التي ظهر بها لقاح كورونا، فضلا عن بعض المعلومات المغلوطة سببت بعض اللغط والبلبلة لدى الكثير من المصريين.
وتابع العدوي، في تصريح لـ«الناس دوت نت» أن الفكرة القائلة بأن اللقاح هو جزء من المرض، وسينتج عنه أعراض جانبية مثل المرض، ليست فكرة صحيحة، وأضاف أن اللقاح من ميكروب مختلف، وأردف العدوي في تصريحه أن أهمية حصول عدد كافي من المصريين على اللقاح يتمثل في إحداث ما يُسمى بـ«مناعة القطيع»، وهي أن تحقق نسبة محددة من السكان مناعة ضد الفيروس بتلقيحهم، بالقدر الذي يجعل المجتمع قادرا على مواجهة الفيروس.
وكان أطباء مصريون بارزون قد عملوا على تحفيز المواطنين على التسجيل من أجل تلقي لقاح كورونا، أبرزهم الدكتور محمد أبوالغار،رائد عمليات أطفال الأنابيب في مصر، الذي شجع المواطنين على تلقي اللقاح، وأن جميع اللقاحات آمنة، وذلك في فيديو مسجل له عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».
وكانت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، قد طمّأنت المواطنين بأنها تلقت اللقاح الصيني ولا خوف منه، وأن اللقاح مجاني لجميع المصريين.
وكان الدكتور محمد عوض تاج الدين، قال في مداخلة هاتفية للتلفزيون المصري إن الخوف والقلق من لقاحات فيروس كورونا شئ طبيعي جدا، مشيرا إلى أن هناك الكثير من النقاط التي تثير القلق لدى المواطنين، فيما يخص اللقاح، منها أن اللقاح لم يأخذ حقه من الدراسات الكاملة، بالإضافة إلى أن بعض الدول قامت بإيقاف شحن بعض اللقاحات العالمية، مثل لقاح «Hسترازينكا» مؤقتا، كما أن الآثار الجانبية للقاح، لها دور كبير في تخوف المواطنين.
واعتبر العدوي أن الخوف من اللقاح أزمة لكنها ليست أكبر من الأزمة الفعلية وهي “الإتاحة”، فالجرعات التي تحصل عليها الدول النامية أقل بكثير من عدد الجرعات التي تحصل عليها الدول الغنية.
وكانت منظمة الصحة العالمية حظرت من «خلل صادم» جراء استحواذ الدول الغنية على كمية كبيرة من اللقاحات، وقال عقد رئيس المنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، خلال مؤتمر صحفي في العاشر من أبريل الماضي على أنه «لا يزال هناك خلل مروع في التوزيع العالمي للقاحات».

الرسالة الإعلامية
وتعليقاً على الأداء الإعلامي فيما يخص تشجيع المصريين على التسجيل للقاح، تقول سهير عثمان، الخبيرة الإعلامية وأستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن الرسالة الإعلامية بخصوص اللقاح بها قصور شديد، من كلا من الإعلام الرسمي وغير الرسمي.
وعدت عثمان أن هناك قصورا من قبل وزارة الصحة في الرد على عدد من الشائعات التي انتشرت عن بعض اللقاحات، مثل تسبب لقاح أسترازينيكا البريطاني في حدوث جلطات وأعراض مضاعفة، خصوصا أن مصر تعتمد عليه في تلقيح المسجلين.

واعتبرت عثمان، لمنصة “الناس دوت نت”، أن القصور في الرسالة الإعلامية تجاه الشائعات نحو اللقاح، أعطى وسائل التواصل الاجتماعي فرصة لنشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة بخصوص اللقاح، وضربت الخبيرة الإعلامية المثل “هناك من كان يشعر بعرض مضاعف فيكتب للناس في دوائره أن اللقاح تجربة سيئة، رغم أن رد فعل أجسامنا تجاه اللقاح يختلف من شخص لآخر بطبيعة الحال، لكن هذا ساهم في وجود صورة سيئة بعض الشيء تجاه اللقاح”.
وتستكمل عثمان أن وجود ردود من وزارة الصحة على ما أثير على اللقاحات عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك أو غيرها من منصات التواصل الاجتماعي، مضيفة أنه كان يجب إعطاء الأولوية لوسائل الإعلام الرسمية في مخاطبة الشعب المصري.
وكانت تعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتقدت عدم وجود أي إعلانات تشجيعية من قبل وزارة الصحة من شأنها أن تحمس نسبة كبيرة من السكان على أخذ لقاح كورونا.
جرعات اللقاح في مصر
وكانت مصر استقبلت أول شحنات لقاح كورونا من الإمارات، من لقاح «سينوفارم» الصيني في 11 ديسمبر الماضي، بنحو 80 ألف جرعة. واستقبلت مصر شحنتين هدية من جمهورية الصين واللتين شملتا 600 ألف جرعة من نفس اللقاح «سينوفارم» .
كما استقبلت البلاد في نهاية مارس الماضي 854 ألفًا و400 جرعة من لقاح فيروس كورونا المستجد من إنتاج شركة «أسترازينيكا» والتي تأتي عن طريق التحالف الدولي «جافي»، وذلك ضمن 40 مليون جرعة من المقرر استقبالها تباعًا.
ومن المقرر استقبال 2.5 مليون جرعة من لقاح «سينوفاك» تحت التصنيع منتصف شهر مايو الجاري، وسيتم استغلال 500 ألف جرعة منهم بشكل عاج، وفقا لوزارة الصحة.
وحسب الموقع العالمي لتسجيل الحاصلين على اللقاح عالميا، تشير البيانات أنه تم تطعيم ما يقارب من 6.50% من سكان العالم مقابل 0.64% في مصر، حتى 18 أبريل الماضي، وفقا للرسم البياني التالي.
وأظهر موقع ourworldindata، المختصص في البيانات، وتديره وحدة بحثية في جامعة أكسفورد البريطانية أن الإمارات جاءت على رأس قائمة الدول العربية في مجال التطعيم بلقاح كورونا، بمعدل 72.3 جرعة لكل 100 شخص، تليها البحرين ثم الكويت، ثم المملكة العربية السعودية، ثم عمان ثم قطر ثم المغرب والأردن ولبنان وتونس والجزائر.