عمر الخيام.. أيقونة السعادة والحب عبر الأجيال

تحل اليوم ذكرى ميلاد الشاعر والفيلسوف عمر الخيام. الذي قدم لنا تراثًا كبيرًا من الأعمال الشعرية، والإسهامات العلمية، في الرياضيات، والفلك، واللغة، والفقه، والتاريخ. كما أنه أول من اخترع طريقة حساب المثلثات، وحل المعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة، بواسطة قطع المخروط. واشتهر بتصوراته عن السعادة كما وصفها في رباعياته الشهيرة، التي ترجمت إلى اللغة العربية في أكثر من نسخة، وتغنت بها السيدة أم كلثوم في منتصف القرن الماضي، من ألحان الموسيقار الكبير رياض السنباطي.
تفوق منذ الطفولة
ولد عمر الخيّام في 18 مايو 1048م، في مدينة نيسابور، وكانت إحدى المدن الرائدة في خراسان، خلال العصور الوسطى التي وصلت إلى ذروتها من الازدهار في القرن الحادي عشر في عهد الدولة السلجوقيّة. وكانت كذلك مركزًا رئيسيًّا للديانة الزرادشتية، وكان والد عمر الخيام من أتباع الديانة الزرادشتيّة، والذي اعتنق الإسلام فيما بعد.
أمضى الخيام طفولته في مدينة نيسابور، وتمّ تقدير مواهبه من قبل أساتذته الأوائل الذين أرسلوه للدراسة عند أعظم معلّم في منطقة خراسان، وهو الإمام موفّق نيسابوري، الذي كان يدرّس لأولاد النبلاء.
وسافر الشاعر والفيلسوف عمر الخيام بعد دراسة العلوم والفلسفة والرياضيات وعلم الفلك في مدينة نيسابور، إلى مدينة بخارى في عام 1068. وانتقل في عام 1070 إلى مدينة سمرقند، وشرع في كتابة أعماله الجبرية الأكثر شهرة، وأطروحته «رسالة في براهين الجبر والمقابلة»، التي كانت مكرسة لمعلّمه القاضي أبو طاهر آنذاك.

السفر إلى أصفهان
وهو في السادسة والعشرين من العمر، ألحق مستشارًا للسلطان ملك شاه الأوّل، في عام 1073. كما دعي إلى أصفهان من قبل الوزير نظام الملك عام 1076 بهدف الاستفادة منه في المكتبات ومراكز التعليم هناك.
اقرأ أيضًا: نزار قباني.. هل مازال رئيس جمهورية الشعر في منصبه؟
دأب في ذلك الوقت، على دراسة أعمال علماء الرياضيات اليونانيين: إقليدس وأبولونيوس. وشرع بناءً على طلب الوزير نظام الملك في إنشاء مرصد فلكي في أصفهان، وقاد مجموعةً من العلماء لإجراء عمليات رصد فلكية دقيقة تهدف إلى مراجعة التقويم الفارسي. وفي عام 1079؛ أنهى مع فريقه عمليات قياس طول السنة بدقة مذهلة، حيث عبروا عنها بـ 14 خانة مختلفة.
بعد وفاة مالك شاه ووزيره، فقدَ الشاعر والفيلسوف العربي التأييد الذي كان يضمنه من المحكمة، وسرعان ما انطلق نتيجةً لذلك في رحلة حجّ إلى مدينة مكّة، وكان أحد الدوافع الخفية المحتملة لذهابه إلى الحجّ التي أوردها القفطي، هو إظهار إيمانه للعامة بهدف تهدئة حالات الاشتباه حول اتباعه لمذهب الشك.
والتخلص مزاعم التهجم غير الأخلاقي الذي وجهه إليه رجل دين معادٍ، وتمت دعوته بعد ذلك من قبل السلطان الجديد سنجار إلى مدينة مرو الشاهجان للعمل كمنجم للبلاط الملكي، وسمح له لاحقًا بالعودة إلى نيسابور بسبب تدهور حالته الصحية، وقيل أنه قد عاش حياته بعد عودته إلى مسقط رأسه في عزلة عن البشر.

رباعيات الخيام
اشتهر الشاعر عمر الخيام بـ«رباعيات الخيام»، وهي مقطوعة شعرية بالفارسية، مكونة من أربعة أبيات، يكون الشطر الثالث فيها مطلقا، بينما الثلاثة الأخرى مقيدة. وكان في أوقات فراغه يتغنى برباعياته، وقد نشرها عنه من سمعها من أصدقائه، وبعد عدة ترجمات وصلت لنا كما نعرفها الآن، ويرى البعض أنها لا تنادي إلى التمتع بالحياة والدعوة إلى الرضا أكثر من الدعوة إلى التهكم واليأس، وهذه وجهة نظر بعض من الناس، وقد يكون السبب في ذلك كثرة الترجمات التي تعرضت لها الرباعيات، زيادة على الإضافات، بعد أن ضاع أغلبها.
إلا أن بعض الدراسات أشارت إلى أن الرباعيات التي تخص عمر الخيام فعلا، تدعو بجملتها إلى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية والبحث عن السعادة. ويلاحظ المتتبع لحياة عمر الخيام أنه عالم جليل، ذو أخلاق سامية. ولذلك يعتبر بعض المؤرخين أن الرباعيات التي تدعو إلى اللهو؛ قد نسبت خطأ للخيام، وقد أثبت ذلك المستشرق الروسي زوكوفسكي، فَرَدَّ 82 رباعية إلى أصحابها، ولم تبقَ إلا القليل منها لم يُعرف لها صاحب.
ورحل عمر الخيام عن دنيانا عن عمر ناهز الـ83 عامًا، في بلدة نيسابور في 4 ديسمبر عام 1131. لتبقى سيرته وكتاباته وعلمه حتى لو هطلت دموع العالم بأسرها.