
هنا يرقد الأب طريح الفراش، في غرفة العناية المركزة بمستشفى قنا العام، وهو في حالة خطرة، لا يدري بما حدث له ولأسرته، بعد أن سقت أسرته دماء الأسفلت، ينتظر رحمة الشفاء، وربما إصابته بالغيبوبة رحمته من فقدان عقله أو تمني الموت.
الأب لا يدري أن أسرته بالكامل التي كان يخطط لمستقبل أفضل لها، ماتت جميعًا، لقد ماتت زوجته وأطفالهما الأربعة، في حادث انقلاب سيارة كانوا يستقلونها على طريق قنا – سوهاج، وسجلت دفاتر الحزن الناتج عن حوادث الطرق، هذا الحادث الذي أحزن الجميع ليس أهل الضحايا وأصدقائهم فقط، بل حتى الذين لا يعرفونهم.
كان الكيلو 177 بطريق قنا – سوهاج، مقبرة الأسرة التي سالت دمائها على هذا الطريق، مشاهد مؤلمة لن ينساها أحد، فسيارة كانت تسير عليه، بها أسرة ، كانت البهجة والسعادة، تسيطر على كل خطوة يسيرون فيها، فرحة العودة بعد رؤية الأحباب والأقارب في قنا، كانت الأخيرة لهم، فالفرحة سرعان ما انتهت، فور انقلاب السيارة، التي لم ينجو منها إلا الزوج، الذي يعيش في حالة خطرة في العناية المركزة بمستشفى قنا العام.
اقرأ أيضاً: قطار الشرقية ليس الأول.. من أسوان إلى القاهرة ضحايا حوادث القطارات يتجاوز 6 آلاف مواطن
منذ سنوات، تعرف علي موسى عبدالباري، الشهير بحمادة فرخة، وهو تاجر مواد غذائية، على رشا محمد فتحي، الشهيرة برشا فظاعة، من منطقة الحامول التابعة لمحافظة كفر الشيخ، وتزوجا، كان يخططان لحياة جميلة لهم بالرغم من ظروف الحياة القاسية، التي سرعان ما تغلبا عليها.

كان عش الزوجية بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة، مصدرًا للسعادة التي كللتها «هدوان السر» الصيغة الصعيدية التي تعكس هدوء الأسرة ومحبتها، وأيضًا رزقهما الله بأربعة أطفال 3 ذكور وبنت، ومع كل مولود كان رزق الأب يزداد ” كل عيل وله رزقه”.
لم يتمالك الأب فرحته، وكان دائمًا فخورًا بأبنائه وزوجته، كان دائمًا ما يلتقط الصور مع أطفاله، ونشرها على فيسبوك، كانت صور معبرة عن الفرحة التي كان يعيش فيها مع أسرته، الصور كانت مبهجة للغاية كلها تدل على حبه لأبنائه وزوجته، كانت تعبر عن فخره بهم، وسط تبادل التعليقات مع أصدقائه بأن يحفظهم له ويحفظه لهم.
الرحلة الأخيرة
رحلة الحياة بينهم كانت كلها سعادة، كان يحافظ عليهن على قدر المستطاع، يحذرهم من الإصابة بكورونا حتى لا تفقد الأسرة السعيدة أحد أركان سعادتها سواء بالإصابة أو الموت، ولكن الرحلة السعيدة سرعان ما انتهت، في حادث مؤلم ، لن ينساه أحد ودماء الأسفلت تروي قصة لم تكتمل.
انطلقت الأسرة في رحلتها الأخيرة من حدائق القبة إلى قنا، لزيارة أقارب رب الأسرة هناك، مستقلين السيارة رقم 472 (م ه س)، «فربما الزوج ذهب ليودع أهله»، وأثناء العودة وتحديدا عند الكيلو 177 بطريق قنا – سوهاج، انقلبت السيارة بهم.
مما أسفر عن مصرع الزوجة صاحبة الـ 35 عامًا، وأبنائها الثلاثة محمد علي موسى، 9 عامًا، وسيد علي موسى، 10 عامًا، ومها على موسى، 11 عامًا، وإصابة زوجها على موسى عبد الباري، 40 عامًا، ونجلهما الأصغر عبادى على موسى 7 أعوام بغيبوية، والذي توفي داخل مستشفى قنا العام.

كان عدد من المسافرين يسيرون على الطريق، وعقب رؤيتهم للحادث ودماء الأسفلت، سرعان ما ذهبوا إلى مكان السيارة، واتصلوا بالإسعاف، والتقطوا صورًا للسيارة ونشرها البعض على فيسبوك، وكتبوا عليها ” العربية دي عملت حادث على طريق قنا – سوهاج فيها أسرة كاملة ياريت اللي يعرفهم يروح قنا العام”.
المشاهد المؤلمة اتي رواها بعض مستخدمي فيسبوك، عبر تدوينات قصيرة على صفحاتهم الشخصية، أن الأم كانت تحتضن أطفالها الثلاثة، قبل نقلها إلى المستشفى، والأب كان غارقًا في الدماء، في مشهد وصفه البعض بالمحزن للغاية.
وعقب التعرف على السيارة والتأكد من وفاة الأم وأطفالها الأربعة، نشر أقارب المتوفيين ، صورًا لهم على فيسبوك، كتبوا عليها ” الخمسة ماتوا يا قلبنا الموجوع ربنا يرحمكم ويشفيك ويصبرك يا حمادة”.
بادر أقارب المتوفيين بالذهاب إلى مستشفى قنا العام، لانهاء الاجراءات اللازمة، لاستلام الخمس جثامين، ودفنها في مشهد مهيب في حدائق القبة، فخمس نعوش متراصين، وسيدات يولولن على الفراق، ” ربنا يرحمك يا طيبة.. أختي حبيبتي ماتت وعيالها كمان ربنا يصبرنا على فراقكم”، وشباب وشيوخ يؤدون صلاة الجنازة عليهم في الشارع، ما بين حسرة الفراق والوقوف بجانب أسرة عائلها الوحيد طريح الفراش.