في بيتنا مريض نفسي.. اضطرابات صغيرة تنتهي بقتل الزوجة والأبناء

أب يقتل زوجته وأبناءه، وزوجة تلقي بأطفالها من النافذة. هكذا تنتشر في الفترة الأخيرة، عدد من الجرائم، شغلت الرأى العام، لبشاعة تفاصيلها. وعند الكشف عن السبب نجد أن مرتكبها مريض نفسي ضاقت عليه الحياة، وفشل المحيطون به في رعايته واحتوائه.
في هذه السطور؛ تسلط «الناس. نت» الضوء على جرائم حدثت مؤخرًا؛ أبطالها مرضى نفسيين. ويحدثنا خبراء ومتخصصون في علم النفس، عن الطريقة المثلى لاحتواء هؤلاء الأشخاص، وتقويم سلوكهم الشخصي والاجتماعي.

في بيتنا قاتل
في شقة في بولاق الدكرور، قام شخص بقتل زوجته، وبنتيه خنقًا وهن نائمات. وأفادت التحقيقات أن ذلك الشخص هو نجل الفنان المرسي أبو العباس، المعروف من خلال عدد من الأعمال الفنية الشهيرة. وحسب التحريات؛ تبين أن القاتل يخضع لعلاج نفسي منذ 6 أشهر على تنفيذ جريمته، إثر تعرضه لخسائر مادية في البورصة.
اقرأ أيضًا: خاص │«تحقيق» جهل المجتمع يحول المريض النفسي إلى مجرم
وفي قرية الحصايتة، التابعة لمدينة السنبلاوين بالدقهلية، اعتدى شخص على والدته بالضرب المبرح، وتسبب في تهشيم رأسها بفأس حتى لفظت أنفاسها الأخيرة. وأقدم طالب ثانوي على قتل شقيقه الأصغر بآلة حادة، وأكل أجزاء من جسده. وتبين من التحقيقات أن كلا القاتلين يعانيان من اضطرابات نفسية حادة.
وفي كفرالشيخ، لقيت سيدة في منطقة «قلين» مصرعها إثر اعتداء ابنها عليها بـ «شاكوش». وكان يعاني الابن من مرض نفسي منذ 5 سنوات، وعندما سمع الأهالي صراخها، حاولوا إنقاذها لكن نجلها قفز من نافذة في الدور الثالث، وأصيب بكسور خطيرة في قدميه.

وشهدت قرية الرملة، في مدينة بنها، جريمة قتل مأساوية. فقد قامت ربة منزل تبلغ من العمر 33 سنة، بإلقاء طفلتيها من شرفة في الطابق الرابع، ثم قامت بإلقاء نفسها، إلا أن حبل الغسيل أنقذ حياتها، وتم نقلها إلى المستشفى، وأفادت التحقيقات أن المتهمة تعاني من مرض نفسي مزمن، وتخضع للعلاج منذ مدة.
وفي عزبة الشاهد، التابعة لمركز الشواشنة، بمحافظة الفيوم، قتل شخص زوجته وهشم رأسها بـ «شاكوش» أمام أطفاله. ثم حاول الانتحار بذبح رقبته، لكن دون جدوى. وقال شهود عيان، إن الزوج من أسرة بسيطة، يعمل في مجال المقاولات عامل محارة. ويعاني من مرض نفسي، وكان قد سلم قطعة سلاح ناري إلى مركز الشواشنة، قبل 3 أشهر من حدوث الجريمة.
اقرأ أيضًا: هل السمنة مرض نفسي أم عضوي؟
وفي مركز الباجور بمحافظة المنوفية، قتل شخصٌ زوجته العروس بعد أيام قليلة من ارتباطهما، وذلك إثر معاناة الجاني من أعراض نفسية. وعثر أهالي القرية على منار عادل محمد 19 سنة جثة هامدة، وبها آثار طعنات قاتلة في مناطق متفرقة من جسدها. وكشفت التحريات أن زوجها محمد محمود عثمان محامي 29 سنة، يمر بحالة نفسية سيئة إثر معاناته من مرض نفسي.
وفي قرية الخوالد، التابعة لمركز أبوتشت في محافظة قنا؛ قتل شابٌ زوجته الحامل في شهرين خنقًا، وذلك بعد حوالي 6 أشهر فقط على زواجهما. وأفادت التحريات أن الزوج (31 عاما)، يعاني مرضًا نفسيًا مزمنًا، وذلك حسبما أوضحت التقارير الطبية الرسمية.

أمراض نفسية
«المريض النفسي يقتل دون وعي». هكذا يقول الدكتور جمال فراويز، الأخصائي النفسي، لـ «الناس. نت»، موضحًا أن مرضى الهوس، قد يرتكبون جرائم قتل عن طريق الخطأ، لأنهم لا يملكون القدرة على التخطيط، بل يكون ذلك دون قصد منهم، لأنهم يكونون خارج وعيهم.
ويضيف الدكتور جمال فراويز: «في حالة مريض الفصام والاضطراب التشككي، الأمر مختلف قليلًا. حينها يكون القتل مخططًا له مسبقًا، ويكون الفاعل في كامل وعيه. وكذلك مريض الوسواس القهري، فهو أشد خطورة، لأنه في مرحلة ما، تسيطر عليه أفكار سلطوية قد تقوده إلى القتل في أحيانٍ ليست قليلة».
ويثير «فراويز» مأساة مريض الاكتئاب الوجداني، والذي قد يصل إلى مرحلة قتل أحبائه وأقرب الناس إليه، ثم يقدم بعد ذلك على الانتحار، لأنه يكتشف أنه لن يستطيع الاستمرار في الحياة. ويشير إلى أن مريض الصرع قد يسقط في نفس المأساة، أثناء «نوبة صرع» دون قصد منه.
«المرض النفسي؛ مرضٌ جيني. والمشاكل الاجتماعية لن تقود إلى القتل إن لم تكن هناك جينات نفسية». هكذا يؤكد الدكتور جمال فراويز، ويوضح أن للأسرة دور كبير في ترويض العنف لدى المريض النفسي، وتحفيزه على سلوك قويم. وذلك من خلال الحرص على خضوعه للعلاج النفسي على أيدي متخصصين بانتظام. وكذلك التعامل معه بحساسية، وتجنب دفعه إلى الانفعال، أو الشعور بالدونية، وعدم وضعه في دائرة أحكام القيمة، ووصفه أنه كافر، أو مختل عقليًا.
ارتفاع نسبة المرضى
ومن ناحية أخرى أكدت الأبحاث العلمية التي أجراها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، ارتفاع نسبة المرضى النفسيين في مصر، فقد وصلت إلى 14% بين البالغين، لتصل أعدادهم إلى أكثر من 8 ملايين شخص يعانون من اضطرابات نفسية، وعلى الرغم من اختلاف أنواع المرض النفسي، ولكن يظل يمثل خطرا على المواطن واتخاذ قراراته بطريقة سليمة، والتي ربما تصل به إلى الانتحار أو الجريمة في الفترة المتقدمة من هذا المرض.
الأبحاث الطبية التي رافقت الأبحاث الاجتماعية أكدت هذا الامر، والتي كشفت أن المرضى الذين يعانون من اكتئاب حاد أو أمراض الفصام، يكونون أكثر عرضة للتفكير فى الانتحار، مشيرة الى أن نسبة 60% من المصابيين بالأمراض النفسية يفكرون في الانتحار.
بالإضافة إلى نسبة 18% ينفذون بالفعل هذه الجريمة، وهي جريمة قتل النفس، كما أن المرأة تفكر فى الانتحار 4 أضعاف الرجل، ولكن الرجل يملك جرأة التنفيذ أكثر من المرآة، مما يجعل نسبة المنتحرين من الرجال تفوق نسبة المنتحرين من النساء.
وأوضحت الأبحاث أن المرضى النفسين مثل ما يفكرون في الانتحار، يفكرون في ارتكاب الجرائم المختلفة والتي تصل إلى حد القتل حتى لأصدقائهم وأقاربهم، كما أنهم يفكرون في الانتحار بالطرق البشعة مثل الشنق وإطلاق الرصاص والذبح وقطع الشرايين، ولا يميلون للانتحار أو القتل من خلال تعاطي الحبوب، هذا بالإضافة إلى أن هناك نسبة 12% من الجرائم التي ترتكب في المجتمع المصري يكون وراءها مرضى نفسيون.
إعفاء من العقوبة
ومن جانبه أوضح عمرو عبد السلام، الخبير القانوني والمحامي بالنقض لـ «الناس. نت» أن جرائم المرضي النفسيين والمختلين عقليًا تعد بمثابة قنابل موقوتة تهدد المجتمع المصري وتحتاج إلى نزع فتيلها قبل فوات الأوان خاصة مع زيادة اعداد المرضي النفسسيبن بصورة ملحوظة في الاونة الاخيرة حسب الدراسات التي تم اعدادها من قبل المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية.

وأضاف «عبد السلام» أن الأسرة تتحمل مسئولية مراقبة سلوك أبنائها من أصحاب الأمراض النفسية اما بإيداعهم مستشفي الأمراض النفسية لعلاجهم او متابعتهم بعد خروجهم لأنهم يتحملون كامل المسئولية عن عدم مراقبتهم لسلوك أبنائهم إذا ارتكب أي جريمة ضد الغير.
وأكد الخبير القانوني على أن المرضي النفسيين غير مسئولين عن الجرائم الجنائية التي يرتكبونها تحت تأثير المرض النفسي أو العقلي. وذلك طبقا لنص المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي.
كما ينص القانون على أنه لا يسأل جنائياً الشخص الذى يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار. أو الذى يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو عن غير علم منه. وتأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة.