حكايا ناسسلايدر
أخر الأخبار

عار «كورونا» في صعيد مصر.. انتحار وقطع أرحام خوفاً من التنمر

خوفاً من عار كورونا في الصعيد؛ أخ يتخلى عن أخيه، هنا قطع الفيروس القاتل صلة الأرحام، هنا يحاول أن يثبت أهل المتوفي بشتى الطرق أنه لم يمت بكورونا.. يقيمون سرادق العزاء.. يستقبلون المعزيين.. ينادون في مكبرات الصوت على سيارة تجوب القرى بوفاة أحد أقاربهم.
يدونوا عبارات على مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، بأنه لم يمت جراء فيروس كورونا، وأن كل ما يقال شائعات سيتتبعون كل من روجها.
على الرغم من علمهم بأنه مات بفيروس كورونا.. هنا أهل المتوفي يشتمون ويسبون كل من تسول إليه نفسه بأن يقول أن فلان مات بكورونا.
حكايات مؤلمة جناها الفيروس القاتل على أهل الصعيد، كانت معظمها تتمثل في العار عليهم، بعد إصابة أو وفاة أحد أقاربهم بفيروس كوورنا.
فالبعض سار في الشارع رافعًا رأسه ناسيًا وفاة أمه وحزنه عليها، كان سيره في الشارع للتفاخر ليثبت أن والدته لم تمت بكورونا، وآخر نشر صورة شهادة وفاة والدته، أن سبب الوفاة التهاب حاد في الرئتين ومكان الوفاة مستشفى قفط التعليمي المخصصة لعزل حالات كورونا.

سيارة إسعاف أمام مستشفى
سيارة إسعاف أمام مستشفى حميات نجع حمادي

وممرضات أطلقن الزغاريد في مستشفى فرشوط، بعد أن توفي أحد الأشخاص بعد الاشتباه بإصابته بفيروس كورونا وفور ظهور نتيجة المسحة أنه سلبي، ممرضات بالمستشفى لم يتمالكن أنفسهن وأطلقن الزغاريد، خشية أنه بعد مخالطتهن له يصبن بالفيروس.
لم تكن هذه الحالات هي الوحيدة التي اعتقد البعض أن إصابة ذويهم أو وفاتهم بالفيروس وصمة عار لهم، فهناك عامل انتحر في حميات قنا بعد قفزه من الشباك، عقب علمه بإصابته بفيروس كورونا، خشية أن يجلب لأهله العار، وهناك آخر ترك شقيقه ماسح الأحذية في المستشفى وهرب بعد علمه بإصابته بالفيروس، وهناك أبناء مسن رفضوا استلامه من مستشفى حميات نجع حمادي، بعد شفائه من الفيروس خشية أن ينقل لهم الفيروس، وفقًا لمصادر طبية وأمنية.

اقرأ أيضاً: خاص │«تحقيق» جهل المجتمع يحول المريض النفسي إلى مجرم

الخوف من التنمر

في معظم الحالات التي أصيبت أو توفيت بفيروس كورونا، كان إخفاء سر الإصابة والوفاة، أول ما يلجأ إليه ذويهم، خشية التنمر عليهم، والابتعاد عن المخالطين أو أقاربهم حتى لو من خارج المكان، وربما تصل إلى قطع الأرحام في بعض الأحوال.
روايات عدة عاشها الصعيد منذ ظهور الفيروس، كان العار والخوف من فضيحة الفيروس، سببا في مأساة أخرى يعيشها الجميع، سواء في الموجة الأولى أو الثانية أو الثالثة، ولكن كانت حدتها في الموجة الأولى، وعقب تفشي الفيروس في الموجتين الثانية والثالثة، بدأ البعض يخبر أن في بيته مريض أو أكثر، خاصة الفقراء منهم للحصول على العلاج أو اسطوانات الأكسجين أو حتى الطعام والمساعدات المادية من فاعلي الخير والمبادرات الشبابية التي انطلقت في كل مكان في قنا.
يقول أيمن أبو جبل، أحد لشباب المتطوعين لتوفير أسطوانات الأكسجين لحالات العزل المنزلي، إن أصعب ما يواجهه في عمله التطوعي، هو العار الذي يلازم أهل المريض أو المتوفي بفيروس كورونا، فهناك بعض حالات العزل المنزلي تكون في أشد الحاجة إلى أسطوانة أكسجين وترفض أن تبوح بذلك.
وأضاف أبو جبل أنه ربما يصل الأمر إلى أنها هي وأسرتها يتمنون الموت، خشية الذهاب لهم حاملًا أسطوانة أكسجين، لأن في هذه الحالة سيكشف الأهل والجيران أن في هذا المنزل مريض، وأن هناك عار سيلاحقهم بطله التنمر في كل الأحوال.

كورونا.. مرض وليس عار

ويوضح أبو جبل، أن المريض في البداية، يرفض الإبلاغ عن نفسه بظهور أعراض عليه، حتى لا تدخل سيارة إسعاف إلى المنطقة وتحمله لنقله إلى المستشفى، حتى لا يبدأ التنمر عليهم، وكأن كورونا عار وليس مرض، ومن ثم تسوء حالته الصحية داخل المنزل، ويرفض المساعدة، وهذا ساعد في ارتفاع حالات الوفاة بالفيروس داخل المنازل.
الموت أهون من الفضيحة!
ويشير أبو جبل إلى أن المريض أهون عليه الموت، ولا يقول أحد عليه أنه مصاب بفيروس كورونا، وهذا ظهر في العديد من الحالات، التي يحاول المريض وأهله، أن يثبتوا للجميع أنه « لا يوجد في بيتنا كورونا»، ويقيمون سرادق العزاء ويشيعون جثمان المتوفي بكورونا في موكب كبير، وهذا ساعد أيضًا في انتشار الفيروس وارتفاع حالات المصابين.
جمعة رحيل، أحد الشباب المتطوعين لخدمة حالات العزل المنزلي، أوضح أنه في بعض الحالات التي واجهتهم كفريق يعمل لتوفير احتياجات المرضى وذويهم، يرفض المرضى وذويهم الإفصاح عن الإصابة أو الوفاة بالفيروس، خشية العار الذي يلاحقهم، من أهالي القرية، خاصة في الموجة الأولى.
ويتابع أنه خلال الموجة الثانية والثالثة، فيطلبون مساعدات على استحياء، وتتم في الخفاء، سواء في توفير أسطوانات أكسجين أو علاج وغيره، مع زيادة انتشار الفيروس ووجود أكثر من مصاب في منزل واحد، أغلبيته «على باب الله».
يوضح رحيل، أن الصعوبات التي تواجههم في الوصول إلى المريض، أصعب من توفير احتياجاته، وكأن كورونا عار، يلازم المريض وذويه طيلة حياتهم، وهذا ربما يكون سببًا في تفشي الفيروس في قنا وسوهاج، وتصدرهما في بعض الأوقات صدارة المحافظات الأعلى بالإصابة بالفيروس.

الجميع تخلى عني

يقول ب.ح، موظف: والدتي أصيبت بكورونا، وتم نقلها إلى مستشفى حميات نجع حمادي، وسحب عينات منها، والتي أثبتت ايجابية إصابتها بالفيروس، وبعد يومين طلب الأطباء بنقلها إلى المنزل لتكون ضمن حالات العزل المنزلي، وتوفيت بعدها.
وأضاف :”نظرة المجتمع والأهل والأقارب لي وقت إصابتها، نظرة استحقرتها لنفسي أولًا، فتخلى عني الجميع، تخلى عني وعن أسرتي أقرب الأقارب، من كانوا يتوددون لنا لكسب ودنا، ورأيت الجميع يتخلى عني، كرهت وقتها الدنيا وما فيها، وعشت قرابة 3 أيام أنا واسرتي في معاناة كان سببها إصابة والدتي بالفيروس، والمعاناة الثانية هي نظرة المجتمع لنا”.
ويتابع : وقت وفاة والدتي، حاولت أن أقنع الجميع أنها لم تمت بالفيروس، أعلم أن ذلك خطأ، ولكن لم أتمالك أعصابي وقتها، كنت أود أن أقتل كل من يقول إن والدتي ماتت بالفيروس، كان لدي إصرار أن أشيع جثمانها كالمعتاد وأن أستقبل العزاء، وكتبت على فيسبوك أن والدتي لم تمت بالفيروس، نظرة الأهل وقتها كانت أصعب من فراق أعز ما أملك، ولأن في المجتمعات القبلية ومع ظهور مرض جديد ، جعله البعض عار على كل من يقترب منه، حاولت أن أبعد عن نفسي وعن أهل بيتي الشبهات.

نظرات الناس لا ترحم

ويشير م .ع، مزارع، إلى أن الخوف من انتشار العدوى بين أهل المصاب أو المتوفي، جعل البعض يلجأ إلى أن يترك والده أو والدته، طريح الفراش في المستشفى، دون أن يسأل عن حالتهما، قائلًا: تركت والدي في المستشفى مصابًا، وطلبوا مني أن أخذ والدي إلى المنزل بعد شفائه، طلبت منهم أن يمكث هناك بعض الوقت، خشية نظر المجتمع لنا، فالكل تخلى عنا لا يقترب أو يسأل عنا، فالعار الذي خلفه الفيروس هنا في الصعيد، أصعب من الإصابة نفسها.
ويوضح سيد عوض، أستاذ علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادي، أن المجتمعات القبلية في الصعيد كونها متقاربة، ويعيشون جميعا كأهل وأسر في قرى ومناطق معينة، فإن «دبة النملة»، يسمع بها الجميع في المنطقة، لافتًا أنه في معظم الأحوال يقف الجميع مع بعضه البعض إلا أن كورونا غير مفهوم هذا عند البعض خاصة من يعيشون في القرى.
ويضيف عوض ، أن تصور البعض أن الإصابة أو الوفاة بفيروس كورونا في الصعيد، عار سيلاحقه هو تصور خاطئ، ناتج عن غياب الوعي والثقافة عند الكثيرين، وهذا ما زاد من حدة التنمر عند بعض الحالات وأسرهم.
ويتابع استاذ علم الاجتماع : أن عبارة ” البيت ده عنده كورونا”، يجعل الإنسان يخشى من القرب منه، حتى وإن كانت هذه العبارة في حدها كانت سلاحًا للحد من انتشار الفيروس للتباعد، إلا أن استخدامها كان خاطئًا في بعض الحالات، التي تأبى أن تبوح بإصابتها حتى وان كانت في اشد الاحتياج لمعرفة البعض لمساعدتها.

توفير المساعدة النفسية

الدكتور أحمد صبري ياسين، طبيب أمراض نفسية وعصبية بمستشفيات سوهاج الجامعية، أن شعور الإنسان بالتنمر عليه، لإصابته بالفيروس، شعور يزيد من حالات الوفاة، ولذلك لجأت مستشفيات العزل ، بتوفير أطباء وأخصائيين نفسيين، لعلاج المرضى وخروجهم من الحالة النفسية التي يمرون بها، نتيجة إصابتهم بالفيروس، سواء لتنمر البعض عليهم أو ربما في حالة تخلي أسرهم عنهم بعد إصابتهم.
ويتابع الطبيب النفسي، أن الشعور بالتنمر كان دافعا في دخول المريض وأسرته في حالة نفسية سيئة، ربما تصل إلى حد الاكتئاب، والبعض كان يحاول أن يثبت أن ذويه ليس مصابًا أو متوفيا بكورونا، خشية ما أسموه بالعار الذي سيلاحقهم وهذا سلوك خاطئ، نحاول جاهدين لتصحيحه، فالمجتمع كله لا بد وأن يكون دافعًا للعلاج وليس للتنمر وأن يكون سببًا من أسباب الوفاة.
ويشير إلى أن ما صوره المجتمع، من حالات تنمر وخوف وابتعاد وقطع صلة من يثبت إصابته بالفيروس، كان سببًا في ترسيخ السلوك الخاطئ لدى البعض، ودفعه ليثبت للجميع أن مصابيهم وموتاهم ليسو من أهل الكورونا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى