على نول خشبي، وبأدوات بدائية الصنع، تمتد خيوط الفِركة النقادية. تُنسج بأيادٍ سمراء في قرية نقادة في محافظة قنا، وبأشكال هندسية لخيوط وأخشاب. في ورش بدائية، ينتج منها الشال والكوفية وغيرها، حتى تطورت مؤخرًا لصناعة أثواب تتزين بها النساء، وهناك إقبال كبير عليها، على الرغم من التطورالذي تشهده صناعة الأزياء في العالم.
وتعتبر «الفِركة» من أشهر الصناعات المحلية في قنا، وتعود إلى عصر الفراعنة، وفي الوقت الحالي تمثل اهتمامًا خاصًا من المحافظة، في إطار دعم تكتلات الصناعات المحلية مثل: الفركة والفخار، والعسل الأسود. وذلك ضمن برنامج التنمية المحلية لصعيد مصر.
- صناعة الفركة النقادية
تُصنع «الفِركة» من خيوط «فبران» حريرية، يتم استيرادها من الصين أو الهند. وأحيانًا تصنع من خيوط القطن أو الصوف، ويتم وضع الخيوط بمقدار 10 كيلو في عجانية مصنوعة من الألومنيوم. وصناعة «الفِركة» بمراحل عدة تبدأ بلف الخيوط حتى تصل إلى المكوك، ثم النول الخشبي.
اقرأ أيضًا: بطلة من الصعيد.. أول مدربة ملاكمة للرجال
أفنى عزمي عبد البر اسماعيل، عمره في صناعة «الفِركة»، منذ أن كان في الـ 16 من العمر. ويقول وهو يجلس على النول، إن صناعة «الفِركة» بالنسبة له مثل الروح والجسد، لا ينفصلان أبدًا. صحيح أنها صناعة مرهقة على حد وصفه، ولذلك تطلب صبرًا طويلًا، وقدرة على التحمل، والاستمرار.
- صناعة الفركة النقادية
يقول أحمد سليمان، أحد صانعي الفركة في نقادة، إن المنتجات قبل الثورة كان تصدر إلى القاهرة في مناطق الموسكي والغورية وخان الخليلي، لافتًا أن هناك 20 نوع يعملون بها، مثل ” الكتان والصوف والعيون وريشة ودواسة وكرسي ومبرد وغيرها”، كل نوع يختلف عن الآخر حسب الطلب.
اقرأ أيضًا: تخصيص دخل مسرحية «أبو العربي» لرفع كفاءة 20 منزلًا بصعيد مصر
وأوضح أن محافظ قنا، زارهم في الورشة، وطلب مننا تطوير المنتجات، والمشاركة في معارض مثل جنوب الوادي وغيرها، لافتًا أن هناك اهتمام مؤخرًا من المحافظة والأسر المنتجة للحفاظ على هذه الصناعة من الاندثار، والتي تصدر إلى إفريقيا .
وأشار سليمان، إلى أن هناك 30 منتج، يتم انتاجه من صناعة الفركة، وبالرغم من المعوقات التي تواجههم مثل غلاء الخيوط وندرة العمالة أيضًا، إلا أن الفركة النقادية ما زالت لها قيمتها، بين الصناعات.
وقال علاء شاكر، مسؤول برنامج تنمية الصعيد في قنا، إن هناك دراسة لتخصيص 42 فدان في نقادة، لإقامة معارض ومراكز تدريب وتسويق للفركة، لافتا أن هنا 575 مليون جنيه، خصصتها الدولة للحفاظ على التكتلات الصناعية المحلية بقنا، من بينها الفركة، إذ يوجد 105 وحدة انتاجية للفركة في نقادة.
اقرأ أيضًا: في ذكراه الأولى.. حسن حسني «جوكر» السينما المصرية
«صناعة الفركة، معرضة للاندثار، بسبب غلاء المواد الخام، وضعف السياحة، وغياب اهتمام الدولة». هكذا أشار الباحث محمود عبود، في جامعة جنوب الوادي، في دراسة سابقة. موضحًا أن تسويق «الفِركة» مثل غيرها من الصناعات المحلية التي تشتهر بها قنا، مثل صناعة العسل الأسود والفخار؛ سيساهم في ضمان بقائها واستمرارها.
وتوضح الدراسة أن الأفارقة يرتدون المنتجات المصنوعة من الفركة، في الحفلات ويتباركون بها، لافتًا أن نقادة من أشهر المراكز التي تصنع هذه المنتجات، والتي تعتمد في صناعتها على عدة مراحل مثل شراء خيط الحرير الصناعي الأبيض وتلوينه حسب الطلب بالأصباغ المختلفة، ثم لف الخيط وشده على النول تمهيدًا لعملية النسج، ثم مرحلة لف الخيوط، ثم تمر الصناعة بعدة مراحل، وتأتى المرحلة الأخيرة وهي التصنيع بالمكوك على النول، وهو الجزء الذي يحدد الشكل، حسب الطلب والرغبة في إدخال أشكال جديدة، وتتطلب عملية شد النول دقة متناهية وصبرًا طويلًا، حيث يقوم بهذه العملية أكثر من شخص، وقد تستغرق من ثلاثة إلى أربعة أيام، تبدأ بعدها عملية نسج الفركة التي تستغرق يومًا واحدًا على الأكثر.
اقرأ أيضًا: من الكحل للمكياج.. طقوس الجمال على الطريقة الفرعونية
وأوضح الباحث في دراسته أن عدد منشآت صناعة الفركة في مركز نقادة بلغ قرابة 98 منشأة، أعلاها في قرية الخطارة، التي تتميز بهذه الصناعة، ويبلغ عدد العاملين بهذه الصناعة قرابة 400 عامل، ينتج العامل الواحد قرابة 4 أو 4 منتجات من الفركة يوميًا، لافتًا إلى أن صناعة الفركة، تواجه منافسة شرسة من الصين والهند ومناطق أخرى داخل مصر، من حيث كم الانتاج واستخدام التقنيات الحديثة.
وأشار إلى أن الأسعار جعلت المواطنون يلجأون إلى الأقل سعرًا، فالصناعات المستوردة تباع بـ 20 جنيه للشال على سبيل المثال، ولكن في قنا يباع بـ 35 جنيه، لجودته ومشقة صناعته اليدوية، لافتًا أن الفركة تعد زي تراثي يتباهى به الرجال والنساء، مطالبًا بالاهتمام بهذه الصناعة.
