نزيف الأسفلت.. بعد 5 سنوات يتلقى تعويضًا من جهة حكومية

في إحدى ليالي عام 2014، تلقى الأب مينا عادل، اتصالا من تليفون ابنه مايكل، ولكن الصوت الذي حدثه كان صوت شخص آخر، يخبره أن ابنه تعرض لحادث سير على الطريق الصحراوي بين المنيا والقاهرة. وسرعان ما عرف نبأ وفاة ابنه مايكل وهو في مطلع العشرينيات من العمر، إثر حادث تصادم مع سيارة مجهولة.
لم يتوقع مينا عادل (59 عاما)، أن يحصل على تعويض مادي، بعد مرور خمس سنوات على وفاة مايكل. ومن جهة حكومية تعرف عليها عن طريق الصدفة. حين كان يستمع في برنامج تليفزيوني عام 2019، إلى مسؤول في «جمعية الدعم والمساندة القانونية للمتضررين من حوادث السير في مصر». وهكذا ساعدته «الجمعية»، في الوصول إلى جهة حكومية من شأنها أن تعطيه تعويضا ماليا بعد وفاة ابنه، شريطة أن تكون السيارة التي تسببت في الحادث «مجهلة».
تأسست «الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم»، عام 2008 بهدف نشر الوعي لتقليل حوادث السيارات. وتقدم الجمعية الدعم القانوني، وأحيانا المادي بفضل التبرعات التي تصلها من أجل دعم ومساعدة أسر ضحايا حوادث السير في مصر.
اقرأ أيضا: وزيرة التضامن تتفقد حادث القطار طوخ وتوجه الهلال الأحمر بتقديم الدعم
يقول سامي مختار، الرئيس التنفيذي لـ «الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم»، لـ «الناس. نت»، إن ارتفاع الإحصاءات بشأن حوادث الطرق في مصر يرجع لعدة أسباب؛ أهمها إصلاح شبكة الطرق في مصر، وإصرار الدولة المصرية على إصلاح حال السيارات المتهالكة وإبعادها عن الطريق وهو ما يُسمى بـ”تكهين السيارات”، بالإضافة إلى الكشف الدوري على السائقين ككشف المخدرات.

تعمل «الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم»، مع عدد أكثر من جهة حكومية، مثل الإدارة العامة للمرور، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي. وذلك من أجل رفع الوعي حول ضرورة رفع كفاءة العامل البشري في وقف «نزيف الأسفلت»، وتقليل ضحايا حوادث الطرق. مثل حملات توعية في المدارس والجامعات من أجل نشر فكرة الالتزام بالسرعة المقررة، وضرورة الفحص الدوري للسيارات.
اقرأ أيضًا: «وظيفة تك» مبادرة حكومية لتشغيل الشباب.. ورواتب تصل 10 آلاف جنيه
وتساهم الجمعية وفقا لـ «مختار» في الدعم القانوني لضحايا حوادث السيارات في مصر،إذ يقول إن الكثير من ضحايا حوادث الطرق في مصر لا يعرفون أن لهم حق قانوني في الحصول على تعويض من شركات التأمين إثر وقوع الحادثة من سيارة مجهولة الهوية، فعند ترخيص أي سيارة يدفع مالكها ثمن وثيقة تأمينية إجبارية تُسمى «وثيقة تأمين لصالح الغير».
ويفسر سامي مختار، أن ذلك يعني أن تلك السيارة إذا تسببت في حادث لأحد المارة، فمن حق هذا الشخص الحصول على تعويض قانوني من قبل «صندوق الحوادث المجهلة». ويختص «صندوق الحوادث المجهلة»، هو جهة حكومية تابعة لمجلس الوزراء، بمهمة توفير تعويضات لمتضرري حوادث السيارات المجهولة، أو لأسرهم.

شروط الحصول على تعويض عن الحادث
يقول محسن إسماعيل، رئيس مجلس إدارة «صندوق الحوادث المجهلة»، إن الصندوق سدد 640 مليون جنيه تعويضات منذ 2007 إلى 2019، منهم حوالي 160 مليون جنيه في عام 2019 فقط. ويتولى الصندوق أيضا عمليات التأمين ضد المارة، بعد أن تبنت الدولة تغطية حوادث السيارات المجهلة، والتي لم تعد تقبل عليها شركات التأمين. ويؤكد «إسماعيل»، إن الصندوق يعمل حاليا على تقليص قوائم الانتظار بقدر الإمكان.
يقول محسن إسماعيل: «في السابق لم نكن معروفين بالقدر الكافي، لكن الآن بعد تسليط الضوء علينا؛ صار لدينا عدد من المتضررين كل عام». مؤكدًا أنه سيتم الانتهاء من تسليم التعويضات لكل المتضررين في قوائم الانتظار خلال الستة أشهر المقبلة. مشيرًا إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية، تدرس حاليًا مقترحا قانونيا مقدما للبرلمان بزيادة التعويضات من 40 ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه للوفيات في حالة السيارات المجهولة، وأن هذا المقترح قيد الدراسة من قبل المختصين.
اقرأ أيضًا: إطلاق مشروع الشبكة القومية لمتطوعي التمكين الاقتصادي ومكافحة الفقر
ويسعى الصندوق إلى توفير الدعم المادي لأهل الضحايا من حوادث الطرق، والذي يقدر بـ 40 ألف جنيه مصريا، وفي حالة الإصابة يحدد «القومسيون الطبي» نسبة الإصابة، وعليه يتم تحديد المبلغ المادي الذي سيدفعه الصندوق للمصاب. ويضع شروطا للحصول على التعويض، أهمها صورة رسمية من محضر الحادث، وشهادة الوفاة، وإعلام الوراثة، وشهادة بيانات يذكر بها آخر فترة تأمين قبل الحادث. أما في حالة الإصابة فيُطلب تقرير طبي وصورة الرقم القومي، وفقا للموقع الرسمي للصندوق.

أرقام صادمة
وتتصاعد وتيرة حوادث الطرق يوما بعد يوم، في الوقت الذي تشير فيه تقارير عالمية إلى أن مصر تعد من أسوأ الدول في العالم من حيث ارتفاع معدلات حوادث الطرق التي تؤدى إلى الوفاة، أبرزها تقرير منظمة الصحة العالمية في عام 2016. وذكر تقرير منظمة الصحة العالمية، أن عدد ضحايا الحوادث فى مصر يتجاوز 25 ألفا و500 شخص بين قتيل ومصاب، بالإضافة إلى أكثر من 30 مليار جنيه خسائر مادية.
وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصل عدد حوادث الطرق في مصر خلال عام 2018 إلى 8480 حادثا. وإن كان ذلك العدد مريعا، فهو أقل مقارنة بعام 2017، إذ وصل العدد حينها لحوالي 11 ألف حادث. وبالرغم مما تشير إليه هذه الأرقام من انخفاض إيجابي بنسبة تصل لحوالي 20%، تظل حصيلة الضحايا مرتفعة، سواء من المصابين أو الموتى.
ويرجع جهاز التعبئة والإحصاء في تقريره ارتفاع حوادث الطرق في مصر أولا إلى “العنصر البشري”، حيث قدر نسبة الحوادث التي وقعت بسبب أخطاء بشرية بـ 75.7%، فيما تسببت الأعطال الفنية في 17.1% من إجمال الحوادث، أما حالة الطرق وصيانتها فأدت إلى وقوع 2.9% فقط من الحوادث.
وتتعدد الأسباب داخل العامل البشري نفسه، مثل القدرة الذهنية للسائق، والقيادة تحت تأثيرِ المخدرات، وعدم التزام السائقين بقواعد المرور، بالإضافة إلى تجاوز السرعة المقررة خلال القيادة، فضلا عن أسباب تتعلق بحالة السيارة.