حكايا ناسسلايدر
أخر الأخبار

وقود الثأر في الصعيد.. مشاكل تافهة تُسطر بحور الدم 

الثأر في الصعيد نار في الصدور وضحايا لا ذنب لهم؛ وخاصة إن كانوا أبرياء، وبعد ثورة الخامس والعشرون من يناير 2011، وما أعقبها من انفلات أمني، ساعد الكثيرون من أبناء الصعيد، سواء مسجلين خطر وأصحاب النفوذ وكبار العائلات، وأيضًا مواطنون من محدودي الدخل، من جلب أسلحة عن طريق تجار، عبر مدقات جبلية من السوادان وليبيا، مما ساهم في زيادة معدلات الثأر في قرى الصعيد.

بعدما كان السلاح أداة الجريمة في معظم المشاجرات التي تبدأ بشكل تافه، وتستمر ليقع ضحايا ومصابين ، من العائلتين المتخاصمتين أو من خارجهما، مما تسبب في اتساع دائرة الدم، ووصل عدد الخلافات الثأرية المقيدة في قنا أكثر من 150 خصومة ثأرية راح ضحيتها المئات ما بين قتلى ومصابين.

تمكنت القيادات الشعبية ولجان المصالحات بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والشعبية، من إنهاء أكثر من 100 خصومة ثأرية، في الوقت الذي أطلقت فيه محافظة قنا، مؤخرًا مبادرة «قنا بلا ثأر»، خاصة بعد مذبحة أبو حزام، والتي راح ضحيتها 11 قتيلًا بينهم نساء وأطفال في يوم واحد.

بالأحضان تنتهي خصومة ثأرية بقنا
بالأحضان تنتهي خصومة ثأرية بقنا

أشهر الحوادث

ومن أشهر حوادث الثأر التي سجلتها محافظة قنا، في السنوات الماضية، الخصومة الثأرية بين عائلتي السحالوة والمخالفة بفرشوط، والتي راح ضحيتها 12 قتيلًا من الطرفين، في خصومة هي الأشهر، والتي بدأت بمشاجرة بسبب «رش المياه»، وتطورت بعد أن دفعت العائلتين بعناصر منها لخوض الانتخابات البرلمانية.

الخصومة الثأرية بين «السحالوة والمخالفة»، كانت بمثابة وقود الثأر في فرشوط، وحولت المدينة الأشهر تجارة في قنا، إلى خراب، بعد أن هجرها أهلها، خشية وقوع ضحايا نتيجة طلقات طائشة متبادلة بين العائلتين، والتي كانت لا ترحم أحد.

وبعد سنوات، من بحور الدم بين العائلتين، توقفت فيها الحياة تمامًا، هناك، وبعد أن وصل عدد الضحايا من الطرفين 16 قتيلًا، 6 ضحايا من كل عائلة، فضلًا عن إصابة آخرين، تمكنت الجهود الشعبية بمباركة أمنية ومشيخة الأزهر، من انهاء الخصومة الثأرية، بـ«كلمة شرف»، نتيجة تساوى عدد الضحايا، وتعانق أهالي العائلتين، بعد صراع دام لسنوات، في مشهد عمت فيه الفرحة محافظة قنا بأكملها.

اقرأ أيضاً: جرائم بشعة.. بعضها بسبب عود قصب وكوب شاي

الطوايل والغنايم

الخصومة الثأرية الثانية، والتي راح ضحيتها 17 قتيلاً، كانت بين عائلتي الطوايل والغنايم في كوم هتيم التابعة لمركز أبوتشت، والتي راح ضحيتها 6 شخاص في يوم واحد، وتسببت في تحويل القرية إلى خراب، فضلًا عن صدور أحكام قضائية عدة ضد متهمين من العائلتين، وصلت لحد الإعدام والمؤبد، انتهت أيضًا بتعانق  وحلف اليمين، دون تقديم قودة.

القودة أداة إنهاء الثأر في الصعيد
القودة أداة إنهاء الثأر في الصعيد

الخصومة بين الطرفين، كان سببها خلاف على نصف جنيه، زيادة في قيمة كارت شحن، وبالرغم من تمكن القيادات الشعبية من إنهاء الخصومة الثأرية بعد وقوع قتيل واحد، وتقديم القودة، إلا أن خلافات على أولوية ركوب سيارة أجرة، جددت الخلافات بينهما، و وقع 16 قتيلًا، من العائلتين، وإصابة آخرين، وانتهت بمباركة الأزهر الشريف في منظر خيم عليه التواجد الأمني بشكل كبير، وحضور الآلاف من المواطنين.

الخصومة الثالثة الأشهر في قنا، ما زالت قائمة، بين عائلتي الخطبة والجوالين في أبوتشت، والتي راح ضحيتها 9 أشخاص بين ابناء عمومة، في قرية الكرنك في أبوتشت، بسبب خلافات على «طرنش مياه».

وفي خصومة هي الأشهر في الأيام القليلة الماضية، قُتل 11 شخصًا بينهم نساء وأطفال في خصومة ثأرية بقرية أبو حزام بنجع حمادي، أثارت ردود فعل قوية، بعد أن قتل أحد الأشخاص، فردت عائلته بهجوم على ميكروباص، يستقله نساء وأطفال، في سابقة، خارج تقاليد الثأر في الصعيد، بعد استهداف النساء والأطفال في الخصومات الثأرية .

يقول الشيخ أحمد عبد اللطيف الكلحي، عضو لجنة المصالحات في قنا، ومن علماء الأوقاف، إن الثأر جريمة في حق المجتمع بأكمله، فهناك نساء ترملت وأطفال تيتموا وبيوت خُربت، بعد أن فقدت السرة عائلها الوحيد.

انهاء خصومة ثأرية بقنا
انهاء خصومة ثأرية بقنا

ويضيف الكلحي، أن لجنة المصالحات تبحث مع الأطراف المتخاصمة، في جلسات عدة، آلية الخروج من الأزمة وحقن الدماء، وبعد مشاورات والاتفاق على بنود للصلح وكتابة عقود تضم كافة الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، من بينها الاتفاق على الصلح، والدية، وتوقيع غرامة تصل لمليون جنيه أو أكثر على العائلة التي تخلف البنود.

ويتم الاتفاق مع الأجهزة الأمنية والتنفيذية، لإقامة سرادق به آلاف المواطنين، يحضره القيادات الشعبية والتنفيذية والأمنية، على رأسهم محافظ الإقليم ومدير الأمن، وفيه يقدم أهل القاتل أو القاتل نفسه، «القودة» وهي عبارة عن قطعة قماش تشبه الكفن، وهي أداة لإنهاء الخصومة الثأرية بين الطرفين، وحكم عرفي، وهي بمثابة الحكم على حاملها بأن يعيش ميتًا، لحقن الدماء بين العائلات المتخاصمة.

ويوضح سيد عوض، أستاذ علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادي، في دراسته التي أعدها عن الثأر في الصعيد،  أن انهاء الخصومات الثأرية في الصعيد، يتم عن طريق لجان المصالحات والقيادات الشعبية، وفي مشهد مهيب يدخل القاتل أو أحد أقاربه من الطبقة الأولى، يحمل «القودة»، يتوسط رجال الأمن والقائمين على الصلح، ويدخل السرادق المخصص لإتمام مراسم الصلح، ويقدم القودة لأهل القتيل، ويتعانقان بعد ترديد القسم المخصص في مثل هذه الحالات.

ويضيف عوض، أن الخصومات الثأرية من الممكن أن تنتهي بكلمة شرف بعد تساوى الطرفين في عدد الضحايا، ومن الممكن أن يتم تقديم قودة واحدة أو ربما اثنتين أو ربما 4 مثلما حدث في صلح الحجيرات بقنا، بعد أن قُتل 4 أشخاص، ورضيت عائلتهم بقبول الصلح، على أن يقدم 4 أشخاص من عائلة القاتلين القودة، في واقعة تعد الأولى والوحيدة من نوعها في الخصومات الثأرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى