

ما أسهل وأجمل أن تخلق لنفسك .. داخلك.. عدواً خفياً تحاربه قبل أن تنام على وسادتك.. تنتصر عليه وتسحقه.. وتعلق عليه كل شماعات فشلك المركون منذ سنوات في أدراج الأعذار.
وبعد أن ابتكر مارك زوكربيرج فيس بوك، وقال لنا «هيا أبهروني بما لديكم، وما ليس لديكم أيضاً.. الدار أمان». لم يجد الإنسان مخبأ من هزائمه الداخلية سوى الدعاء على أشخاص اعتباريين لا يعرفهم ولا يعرفونه، في بوست مصحوب بيد مرفوعة لأعلى نحو السماء، واحتمى بكهوف مظلمة من أذكار الوقاية من الحسد والعين الملازمة له ليل نهار.. مع أن الحوادث تقع، وهناك آلاف الضحايا يسقطون يومياً حول العالم، وبالتأكيد لن تترك العين كريستيانو رونالدو ومحمد صلاح ولورديانا وتختارك أنت .. لسبب مجهول جداً.. ماذا لديك يا صديقي؟!.
بعدها بدأ الإنسان الأوحد – التطور الطبيعي للإنسان الأول بفضل السوشيال ميديا التي دفعته نحو التوحد- في التجول وسط وديان فيس بوك وانستجرام وتيك توك، حاملاً كاميرا هاتفه المحمول للأعلى مخفياً ترهل جسده، بحيث لا يظهر منه سوى نظارة كبيرة، تغمس وجهه وسط فلاتر الكاميرا وفلاتر الانستجرام في جمال مخملي، تحمله ببطء وتؤدة إلى مناطق الأمان الإنساني، وبهذه الطريقة البسيطة يصبح من حقه أن يهجو أعدائه الوهميين، «وبدل العظمة يعمل اتنين».
اقرأ أيضاً: نادر عيسى يكتب: ضحكة «الديليفري»
واعتذر للجميع عما سأقوله تالياً، وأسلوبي الذي قد يبدو متقعراً، ولأنه لن يكون مملوءاً بـ«طلق كتير ديناميت رشاش»، ولأن صوتي ليس «مليان بنزين تسعين»، وقصف الجبهات ليس من هواياتي اليومية، لا أود أن أطرح أمثلة كثيرة حول نوعية المعارك التي كانت تشغل الرأي العام في الماضي، لأنه وبكل تأكيد لكل زمان معاركه.
لكن ما لا يتخيله بشر ولا حتى حجر، وتستغرب منه الحيوانات في حديقة حيوان الجيزة، أن يسعى الإنسان الأوحد على مواقع السوشيال ميديا نحو أن يكون شاذاً.. غريباً.. منفراً.. كأسهل طريق نحو الشهرة.. وشيكات اليوتيوب. فإعداد الطعام وقلي الأسماك في غرفة نومك، على سريرك، أسهل طريق للشهرة لتستضيفك برامج التليفزيون لتحكي عن نفسك، وتجربتك، وتبدأ في التنظير .. لا يهم .. لا يهم.. دعه يعمل دعه يمر.
(*) تحذير: الفقرة القادمة للكبار فقط
ولأننا جميعاً نؤمن – من دون أن نعلم – بالقاعدة الاقتصادية «دعه يعمل.. دعه يمر» وهي فلسفة استند إليها وشرحها الاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث، في كلاسيكيته الشهيرة «ثروة الأمم»، مشيرًا إلى أن قوى العرض والطلب تسمح لاقتصاد السوق بتنظيم نفسه، وأن مستويات الأسعار والأجور والعمال تعدل نفسها تلقائيًا عن طريق ما أطلق عليه «اليد الخفية».
تلك اليد الخفية التي تصنع من الأغبياء مشاهير، فأرقام مشاهدات اليوتيوب نقلت كثيرين ممن تفننوا في إظهار غبائهم أو أجسادهم على السوشيال ميديا، إلى عالم الإعلانات ومن ثم إلى البرامج، ثم إلى الدراما. وهناك من سيقول أني أكتب هذا لأني «متغاظ.. عارفك يلا مننا»، وهنا لابد أن أرد بـ«مخك فاضي .. مخي أنا ألماظ».
أي ببساطة؛ أن العرض والطلب هو الذي يحدد آليات العمل في الأسواق وقوانينه، إذا فنحن في حاجة ماسة لأن نشاهد سيدة تقلي السمك في غرفة نومها، لكي تغيظ أعدائها بشدة، نحن في أمس الحاجة لحنين حسام ومودة الأدهم، قوانين الاقتصاد والعرض والطلب هي التي تقول، وتثبت ذلك، والدليل أيضاً أنك أكملت المقال لأنك رأيت أن هناك فقرة للكبار فقط. وما قصدته أن الفقرة تحتاج للنضج وليس للبلوغ.