حكايا ناسسلايدر

الحاجة «فوزية» وماراثون محو الأمية بالراديو.. ومعزة بثلاثة جنيهات

لا تتوقف النساء في صعيد مصر عن صنع المستحيل، فمن محو الأمية إلى المشروعات الناجحة حتى إعالة أسر بالكامل، إلا أن الحاجة «فوزية» كان لها قصتها الخاصة جداً.

فرض المجتمع الصعيدي القبلي على الفتيات المكوث في المنزل، وعدم الالتحاق بالتعليم، اعتقادًا أن ذلك يسبب نوعًا من العار والفضيحة.

ويعد هذا الفرض قانونًا اتفقت عليه معظم العائلات في الصعيد، من قديم الأزل، ولكن هناك دائمًا من لا يرضخ لمثل هذه القوانين العرفية، خاصة من يدرك أهمية التعليم وحلاوة النور والعلم بعد العيش في ظلام الجهل والأمية، مثل بطلتنا «فوزية أحمد الصغير».

لم تستسلم فوزية أحمد الصغير للتقليد العرفي بعدم تعليم الفتيات في الصعيد. وسعت إلى التعليم من المنزل، كي لا تصبح نسخة من الجهل والأمية التي تسيطر على بنات منطقتها. وخاضت في ذلك تحديات عديدة مع أسرتها، ومجتمعها حتى نجحت في أن تحقق ما أرادت.

فوزية أحمد الصغير.. قصدة عجوز قهرت الأمية
فوزية أحمد الصغير.. قصدة عجوز قهرت الأمية

 

المعزة مقابل الراديو

تعود البداية إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث جلست فوزية أمام والدها تقنعه برغبتها في التعليم، حتى دون أن تخرج من البيت. استمع لها رغم أنه كان رافضًا للمبدأ من البداية، ولكن بعد إلحاح الطفلة الصغيرة عليه، وافق الأب على بيع معزة بثلاث جنيهات، لشراء راديو صغير، كي تستمع «فوزية» خلاله لبرامج محو الأمية، وذلك لأن التلفزيون والكهرباء لم يكونا قد وصلا بصورة منتظمة إلى قريتها في ذلك الوقت.

استطاعت فوزية أن تتخلص من الأمية تمامًا، وتكتب وتقرأ بصورة صحيحة، بالاعتماد على توجيهات مذيع الراديو فقط. وبعدها تزوجت، وأنجبت 3 فتيات. حرصت الأم على تعليم بناتها، وبالفعل، نجحت إحداهن في الالتحاق بالجامعة، وحاليا تعمل معلمة للمرحلة الابتدائية، تعلم وتربي جيلًا جديدا من النشء، وصوب عينيها كانت قصة والدتها المكافحة من أجل التعليم.

فوزية أحمد الصغير.. قصدة عجوز قهرت الأمية
فوزية أحمد الصغير.. قصدة عجوز قهرت الأمية

تروي السيدة العجوز، البالغة من العمر 70 عامًا، والمحتفظة بأدوات التعليم من راديو ولمبة جاز حتى الآن،  قائلة:”معندناش بنات تروح المدارس في الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات”.

وتتابع :”كان عمري وقتها 10 سنوات، رفض والدي أن أخرج من المنزل، مثلي كغيري من البنات في المنطقة”.

حالة ملل

واستكملت الحاجة فوزية حكايتها:” لم أستطع أن أرفض قرار والدي، بعدم الخروج من المنزل وقتها، لأن هذا من عادات وتقاليد العائلة، وبدأت ان أخدم في المنزل، وعقب انتهائي من خدمتي في المنزل من تنظيف وغسيل وتحضير للطعام، أصابتني وقتها حالة من الملل، فأخبرت والدي وقتها، ” إني مليت”، ومحتاجة راديو في المنزل “عشان يسليني وأتعلم منه”.

وتستطرد السيدة العجوز قائلة: بالفعل والدي باع معزة بثلاث جنيهات، واشترى راديو، كنت دائمًا ما أنتظر برنامج محو الأمية ، حتى أتعلم، كنت اسمع وقتها مقولة ” يا أهل بلدي ياللي تحرمتوا من التعليم، من المنزلة لأسوان إذاعتنا ناوية تعلمكم من غير ما تغرموا ولا مليم.. يالا حضروا ورقة وقلم ومراية وخلو بالكم معايا”.

أشارت الحاجة فوزية إلى أن هذه الجملة أثرت فيها جداً، وبدأت تتابع البرنامج يوميًا، خاصة في فترة الليل، وتقول :”كنت أعد العدة من العصر، فكنت أجهز «اللمبة الجاز» أم فتايل وأحطها على الطبلية واشتريت قلم وكراسة” وبدأت من هنا رحلتي في التعليم.

المرآة للنطق

وتحكي الحاجة فوزية أن القلم والكراسة كانا للكتابة، أما المرآة فكانت لتعليم مخارج الحروف، وتابعت :”أول حرف الألف، كان المذيع يقول «الألف زي كوز الذرة» كنت أتخيل وأكتبه، والباء «زي الزبدية»، كنت أتخيل أيضًا وأكتبه”.

وعلى الرغم أن والدي كان رافضًا فكرة التعليم، إلا أنه كان يساعدني في الكتابة، بعد رؤيته شغفي وحبي للتعلم، حتى تعلمت وبدأت أقرأ وأكتب، وأيضًا في السنوات الأخيرة، بدأت في تأليف الشعر والقصص القصيرة وبلهجتها الصعيدية الأصيلة وطريقتها تصفها أنها «على كد حالي وعلامي».

فوزية أحمد الصغير.. قصدة عجوز قهرت الأمية
فوزية أحمد الصغير.. قصدة عجوز قهرت الأمية

لا تتوقف

ولم تتوقف إرادة الحاجة فوزية عند حد تعلم القراءة والكتابة فقط؛ فتتابع قائلة:” بدأت  بعد تعلمي للقراءة والكتابة، أن أرسل إلى صفية المهندس، ما يلم بي من مشاكل ومتاعب، وكنت أنتظر الرد في برنامج كان يذاع لها في التاسعة والنصف، ولكن لم أجد ردًا”.

وتضيف:” أرسلت إلى آمال فهمي في البرنامج العام، والدي كان يرسل لي الخطابات للإذاعة. وهي عبارة عن تمارين من برامج محو الأمية، وأيضًا أقص مشاكلي، ولكن لم أتلق الرد”.

وتحكي عن السبب في عدم تلقيها أي رد؛ فكان السبب أن والدها كان يذهب بنفسه إلى البريد لإرسال الخطابات، رافضًا فكرة كتابة الإسم والعنوان بسبب شعوره بـ«العار» حتى أقنعته، بكتابة أول حرف من اسمي واسمه، وبعد عدة مرات من الإرسال، تلقيت خطابًا، ردًا على مشاكلي.

وتختتم الحاجة فوزية حديثها إلى «الناس.نت» بأنها بعد أن خاضت رحلتها مع التعليم، والتي استمرت لسنوات عن طريق الراديو، تزوجت، وقررت أن يتعلم أبنائها الثلاثة، ولدان وابنة واحدة، محمود حصل على دبلوم زراعة، ونجاح حصلت على كلية التربية، وعملت بالحصة وقتها وتم تثبيتها في وزارة التربية والتعليم، وهاشم حصل على خدمة اجتماعية في أسوان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى