رأي الناس

نادر عيسى يكتب: قول «طاسة» يا «آل باتشينو»

يجلس آل باتشينو في ضيق بالغ؛ يتحدث إلى مساعده عما آلت إليه الأمور، وكيف أن «الشغلانة لمت»، هذه هي إحدى لقطات فيلم «Any Given Sunday» الذي جسد فيه شخصية توني داماتو، مدرب كرة القدم أمريكية.
قال داماتو لمساعده في حنق: «إنه التلفزيون، لقد غيّر كل شيء، غيّر طريقة تفكيرنا إلى الأبد. تلك اللحظة اللعينة التي أوقفوا فيها المباراة لبث بعض الإعلانات اللعينة».
في داخلي ابتسمت شفقة على السيد داماتو لو كان يعيش بيننا الآن؛ عصر السوشيال ميديا، والأرقام الكبيرة بالـK والـM، K تعني ألف وM معناها مليون. أرقام مبهمة أصبحت تعني الآن كل شيء، من دونها أنت وبضاعتك لا شيء، لا وزن لك. قيمة كل ما نحياه أصبح ما يحددها: عندك كام لايك يا فندم!، جبت كام شير أو مشاركة!، لا يهم ما تقدم أو ما تفعل. المسألة كلها في أرقامك. التي لا يعلم أحد كيف أتيت بها.
أن تكون شاذاً وغريباً ومنتقداً أكثر؛ أصبح هدفاً للكل من أجل أرقام K والـM. ستفعل أي شيء، مثلما يفعل الجميع. أو حتى تغني «تنمري عليك طازة» ستجد الآلاف يرددون بإحساس ببغائي عجيب، «قول طاسة».
هل تريد أن تعرف الجاني الحقيقي؟ ذلك القاتل المستتر؟ رئيس العصابة الذي يجلس على الكرسي الكبير في الظلام ممسكاً بسيجار وكأس مارتيني ويعطينا ظهره. نعم بالضبط. هو الذي صب عليه آل باتشينو جام غضبه في بداية المقال.. الإعلان.

اقرأ أيضاً: نادر عيسى يكتب: بطاقة تموين لـ«دي كابريو»

نعم.. الإعلانات هي الباب الرسمي لكل ما نصل إليه، فهي العائل الوسيط الذي يستضيف كل الطفيليات التي تخرج علينا، تعطيها الصك الرسمي، ختم الاعتماد، تذكرة الدخول إلى بيوت الملايين.. في الوقت نفسه تدفع تلك الطفيليات إلى الأمام نحو التليفزيون والسينما. فقد كسبت رهان الرأسمالية.

ماذا تقصد؟

أقصد وباختصار أن هناك من اختار هذا الشاب الذي يرقص على يوتيوب أو تلك الفتاة التي تستظرف على تيك توك أن يحمل شعار منتجه أو خدمته، إن كان عصير أو سمن بلدي أو شبكة محمول.. إلخ. لقد وثق رأس المال في أرقامه؛ وهؤلاء لا يضعون رهانهم إلا على الحصان مضمون الربح. رأس المال لا يقبل أن يضع أمواله في كفة ميزان لن تطب.
هل تريد أن تعرف كيف أنهى توني داماتو أو آل باتشينو جملته؟ سأخبرك.. حتى انتهي من المقال، قال داماتو :«كانت هذه هي نهاية الأمر!. لأن تركيزنا كان لنا.. كان هو الأهم، وليس لهم، ليس لبعض المنتجات في الإعلانات”.
فمثل السلسلة الغذائية التي درسناها في المرحلة الابتدائية، أصبح هناك سلسلة الشهرة السريعة، من السوشيال ميديا إلى الإعلان ثم إلى التليفزيون ثم للسجادة الحمراء في الجونة، كل هذا مع عامل حفز وتسخين بهدوء في الصحافة ولايف المواقع الإخبارية.. قول طاسة.

اظهر المزيد

نادر عيسى

مؤسس ومدير المحتوى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى