محمد كيلاني.. قاهر الأمية والإعاقة.. من بائع لب وسوداني للحصول على الدكتوراة
عشرون عامًا كانت أيامها ولياليها هي رحلة كفاح؛ تحول خلالها من بائع اللب جالس فوق كرسيه المتحرك أمام إحدى مدارس الفيوم، إلى الدكتور محمد كيلاني الحاصل على درجة الدكتوراة في علوم الصرف والنحو من كلية الآداب جامعة الفيوم بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
فاترينة لب ومجلة ميكي
في سنوات عمره الأولى أصيب الدكتور محمد كيلاني ابن محافظة الفيوم بمرض شلل الأطفال. ما جعل الأهل يخشون عليه من الذهاب إلى المدرسة، كي لا يتعرض للتنمر. وظل «محمد» مع والده الذي كان يعمل «مكوجي» في القرية، بينما كان الإخوة يستكملون دراستهم تعليمهم.
ربما ساعده هذا الأمر أن يتعلم القراءة والكتابة حينما كان يشاهد إخوته وهم يذاكرون دروسهم. يقول «محمد» لـ «الناس. نت»: «أنا حتى مش فاكر إزاي وامتى قدرت أكتب وأقرأ لأول مرة، لقيتني فجأة بأقرأ واكتب».
اقرأ أيضاً: «دنيا».. بطلة تتحدى آلام الجسد والمجتمع بالثقة وآيات «الطبطبة»
بعد أن استحالت إمكانية ذهاب محمد كيلاني إلى المدرسة، أحضر والده له فاترينة زجاجية وبها كمية قليلة من مختلف أنواع اللب والسوداني، وجلس بها أمام إحدى المدارس. كان عمره حينها 10 سنوات، حيثُ اقتصرت حياته على بيع اللب أو تعلم الخياطة والعمل كترزي في أحد المحال.
الإنسان اللي بيكمل على كبر بيكون حاسس بإختلاف لو بص لغيره، ولكن بيكون جواه دافع إنه لازم يوصل ويلحق الشيء اللي فاته د. محمد كيلاني
في ساعات خروج الطلاب من المدرسة يجلس لبيع «السوداني»، وفور انتهائه من عمله، يلتقط كتابًا ويبدأ في في القراءة. كان يقرأ مجلات ميكي وسمير، وتطور الأمر إلى قراءة العقاد وطه حسين، وروايات نجيب محفوظ. بدا وكأنه يحمل شخصين متناقضين في ذات الوقت.
من محو الأمية إلى الجامعة
وصفه البعض بالكاتب عباس محمود العقاد، أخبره بعض أصدقائه أنه ربما يكون عباس العقاد للجيل الجديد، الرجل الذي تعلم القراءة والكتابة وحده، بينما هو يقول “مينفعش نقول فيه شخص شبه آخر، كل واحد له شخصيته المستقلة”، وبالرغم من ذلك ثمة تشابه بين الشخصين وإن كانت الظروف التي نشأ بها محمد كيلاني أكثر صعوبة كونه مُصابًا بشلل الأطفال ما يعني أن كل خطوة سيخطوها في طريقه للحصول على الدكتوراة بعد أن كان أميًا تثقله أكثر فأكثر.
إلا أن نبوغه ساهم في أن تبدو الرحلة أخف مما توقع، فقد حصل على شهادة محو الأمية في منتصف التسعينات وسرعان ما التحق بالثانوية العامة بعد انتهاء فترة الإعدادية وفي عام 1999 دخل الجامعة والتحق بكلية دار العلوم كان في نهاية العشرينات من عمره، وفي عام 2003 تخرج من الجامعة وكان ضمن العشرين الأوائل بالكلية وكل هذا كان فوق الكرسي المتحرك.
بدأ محمد كيلاني بائع اللب الحاصل على الدكتوراة في النحو والصرف عملت تمهيدي ماجيستير في النحو والصرف عام 2004، وحصل على درجة الماجيستير عام 2009 بتقدير امتياز، ثم بعد ذلك حصل على الدكتوراة من كلية الآداب جامعة الفيوم، في النحو والصرف وكان عنوان الرسالة “مسائل سيبويه النحوية في كتب تفسير الأندلسيين” وكان هذا عنوان الرسالة وكان ذلك في عام 2018.
كلمة السر.. العزيمة
كان محمد في نهاية العشرينات من عمره يحضر دروسه وسط تلاميذ الثانوية العامة كانوا في أعمار صغيرة بينما هو يشارع على العقد الثالث يقول محمد للناس. نت :” الإنسان اللي بيكمل على كبر بيكون حاسس بإختلاف لو بص لغيره، ولكن بيكون جواه دافع إنه لازم يوصل ويلحق الشيء اللي فاته، أنا كنت بحضر درس خصوصي وألاقيني قاعد وسط أولاد صغيرين”.
كان يشعر بالخجل لكن عزيمته ورغبته في أن يكمل مسيرته التعليمية منعته من أن يتوقف عند حد معين، فضلًا عن الأهل الذي أكد على أنهم وقفوا إلى جانبه منذ بداية رحلته وحتى نهايتها. ويطمح محمد الآن أن يتم تعيينه في الجامعة كأكاديمي وليس كإداري، ليكون الدكتور محمد كيلاني أستاذ علوم الصرف والنحو بحق.