أطفال سوريا، رجالاً اشتد عودهم في سنوات حياتهم الأولى، لما كابدوه من ويلات الحرب الضارية التي فتكت بمنازلهم وعائلاتهم، واصبحوا جليسي الشوارع يلتقطون لقمة العيش من فم الوحوش بشق الأنفس، ومن بينهم هؤلاء أطفال مخيم واشوكاني، الذين أجبرتهم ظروف الحياة على العمل في المهن الشاقة لتوفير نفقات عائلتهم.. في هذه السطور نتطرق إلى حكايات العديد من هؤلاء الأطفال.
بيع للخضروات
البداية عند الطفلة جيلان ذات الـ15 عاما، تعمل بدوام كامل لمدة 8 ساعات في متجر لبيع الخضراوات والمواد التموينية في مخيم «واشوكاني» شمال غربي مدينة الحسكة (شمال شرقي سوريا)، تعمل .
تحمل جيلان يومياً أحجاماً أكبر من جسدها النحيل بسبب ظروف النزوح والحياة القاسية؛ بغية الحصول على راتب نهاية الشهر لإعالة أسرتها، وتعود في نهاية يوم عملها إلى خيمتها منهكة ومتعبة.
تقول جيلان «صاحب المحل يعطيني يومياً ألفي ليرة وأحياناً 3 آلاف و500 ليرة (نحو دولار أميركي) لمساعدة أمي في مصروف أخوتي».
واضافت انها تركت الدراسة منذ 3 سنوات، قائلة «الكثير من أبناء الجيران يبحثون عن العمل ولا يجدون شيئاً، نعم لقد تركت دراستي حتى أساعد والدتي بالمصروف».
فيما قالت والدتها ريمة «إن السلّل المعونات الإنسانية لا تكفينا. فبعد وفاة زوجي بمرض عضال أصبحت أرملة أربّي 7 أفراد، لكن ينقصنا الكثير. بحثت عن عمل دون جدوى. راتب جيلان يسد بعض الاحتياجات».
وكانت قد فقدت منزلها وجميع ممتلكاتها قبل فرارها من مسقط رأسها برأس العين، وانتهى بها المطاف للعيش في هذا المخيم.
بيع الدخان
ننتقل بعد ذلك إلى حازم، البالغ من العمر 12 عاماً، فما أن تدق الساعة السابعة صباحاً حتى يهرع إلى عمله في «بسطة» لبيع الدخان على قارعة الطريق العابر من بلدة التوينة المجاورة إلى مركز المدينة.
يقف حازم لمدة تزيد على 8 ساعات يومياً لبيع أنواع من علب السجائر، منها المحلية الصنع والأجنبية؛ وذلك بهدف تأمين لقمة عيش له ولأهله بعدما وقفت رحلة النزوح عائقاً دون متابعته تعليمه وحركته من التعرف على حقوقه في الدراسة.
يقول حازم «أخشى من دوريات الشرطة لأن البسطة مخالفة فعندما تأتي أختفي بسرعة من شدة الخوف، ولا يوجد خيار ثان لأن والدتي مريضة ووالدي تقدّم في السن وبات عاجزاً عن إيجاد مصدر للرزق».
سكان المخيم
يقطن مخيم واشوكاني نحو 14 ألف نسمة يتحدرون من مدينة رأس العين وريفها، أو «سري كانيه» بحسب تسميتها الكردية، ممن نزحوا جراء العملية التركية «نبع السلام» نهاية 2019.
يعمل الكثير من الأطفال عمّال نظافة وفي خدمة زبائن المطاعم القليلة ومحال الخضراوات ومتاجر مواد الأغذية، إضافة إلى عملهم باعةً متجولين لمختلف أنواع البضائع وضمن شبكات تعمل على جمع البلاستيك والورق من القمامة لبيعها لتجار إعادة تدوير النفايات
بلدة التوينة
وفي بلدة التوينة، المجاورة للمخيم، كان في الإمكان مشاهدة أطفال يجوبون الشوارع ولا تتعدى أعمارهم عشر سنوات، حاملين على ظهورهم أكياساً عملاقة تفوق حجمهم يجمعون بها القوارير البلاستيكية من القمامة حتى يبيعوها.
ويقول سكان محليون، إن معظم هؤلاء الأطفال من أبناء المخيم أجبرتهم ظروف الحرب على العمل في النفايات.
تقول سعدية، وهي نازحة وأم لطفلين من إحدى قرى ريف بلدة تل تمر «يعمل أطفالي بجمع علب النايلون البلاستيكية والكرتون لبيعها بثمن زهيد. لم يذهبوا إلى المدرسة ولا يتقنون القراءة والكتابة لعجزي على تحمل مصاريف احتياجاتهما من الكتب والثياب.. بالكاد نسد جوعنا».
خطورة عمالة الأطفال
ومن جانبها قالت مديرة المخيم ستير رشك إن الظروف المعيشية الصعبة تساهم في ظاهرة عمالة الأطفال، مشيرة إلى «الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والتي ترتفع مع ارتفاع صرف الدولار الأميركي.
يضاف إليها نقص المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية وخاصة الدولية العاملة في مناطق الإدارة». وتشدد على عدم تعرض أي من الأطفال العاملين في المخيم لحادث أو مشكلة. لكن هناك إحصائية رسمية دقيقة عن عدد أطفال المخيمات العاملين، سيما الذين يتعرضون منهم لحوادث خلال العمل.
وتقول منظمة «يونيسيف» التابعة للأمم المتحدة، إن عدد الأطفال النازحين في عموم سوريا بعد 11 سنة من القتال يبلغ نحو مليونين و600 ألف طفل. وتحققت الأمم المتحدة منذ عام 2014 من تعرّض أكثر من 4500 طفل للقتل، وأكثر من 3000 طفل للإصابة بجروح، وتم تجنيد أكثر من 3800 طفل في جبهات القتال المشتعلة. وقد تكون الأرقام أكبر من ذلك لصعوبة التحقق منها من مصادر مستقلة.
