كانت النية معقودة أن أكتب عن عام مضى وآخر أتى في أول أيامه، لكن هذا الزمان لا يترك لك فرصة الوقوف ثوانٍ قليلة لتأمل أي شيء، دوامة كبيرة تبتلعنا باستمرار. لذا فلا مكان للمراجعة النهائية فنحن أمام امتحان مستمر 24 ساعة على مدار الأسبوع، نأخذ هواتفنا معنا أثناء قضاء حاجتنا لنلعن هؤلاء، ونكتب تعازي لهؤلاء، ثم نبارك لآخرين، وهكذا دواليك. والبركة في اقتراحات خوارزميات الهاتف الذكي، الذي ما إن تكتب «البـ…»، حتى يكتب هو من تلقاء نفسه «البقاء لله»، وما إن تكتب «مبـ…» يضع هو بدلاً منك «مبرووووووك». يعلمك ويعلمني ويعلمنا جميعاً ماذا نكتب؟ وكيف نعيش؟ وأين نتجه؟ ومن وماذا نحب ونكره.
اقرأ أيضاً: إلى عمرو أديب.. ابحث عن «جادون» الشمعدان؟!
ونصيحة يا صديقي؛ لا يجب أن يكون لك رأي في كل شيء، نعم صدقني. سيدة تعاني من كبت وضغط في العمل، وجدت نفسها في أحضان النيل على مركب وموسيقى صاخبة في أذنها، قررت أن ترقص، هنا لا يجب أن يكون لك رأياً، هل ترقص أم لا؟ هذا هو قرارها. ويجب دوماً أن تتذكر عم أيوب في مسرحية «الجوكر» ومقولته الشهيرة :«يعني هو فين الظابط؟»، فبدلاً من أن تشتكي من أن هذه المدرسة سوف تدمر العملية التعليمية والقيم والأخلاق والغلاف الجوي، اسأل أولاً :«يعني هو فين التعليم؟».. «فين الأخلاق؟». الواقع الذي لا تريد أن تواجه به نفسك أنك الآن تريد أن تأخذ مركباً في النيل لتفرغ أنت أيضاً بعض الكبت اليومي.
ولن أشغل بالك بإحصائيات عن أرقام مشاهدة الأفلام الإباحية في عالمنا العربي أو في مصر، من منطلق «إنت عارف وأنا عارف»، لذا فلا داعي أن نعيد ونزيد فيما هو معلوم من الحياة بالضرورة، فحسب صحيفة المصري اليوم جاءت مصر في المرتبة الثانية من حيث مشاهدة الأفلام الإباحية على مستوى العالم عام 2016، أما عن انتشار المخدرات من الحشيش إلى البانجو والاستروكوس والفودو والترامادول والاباتريل، فلا يحتاج أيضاً لإحصاء ولا أرقام، فالطريقة بسيطة «انزل الشارع».
تعالى معي واسحب خيالك خطوة للأمام، تخيل أن الجميلة بسنت خالد لم تنتحر وعاشت لتواجه روح قاضي العالم الافتراضي داخلك وتواجه مجتمع اللايك والشير، هل كنت ستصدق أن الصور التي انتشرت لها مفبركة؟ هل كنت ستدافع عنها كما تتمنى الآن لمن ركبوا لها هذه الصور أن يموتوا ويتم شنقهم في ميدان عام؟ أجب بصراحة، أفضل موقف ستتخذه هو تصريحك أن لا دخان بدون نار، وأنها في النهاية بنت، وأنثى يجب أن تحافظ على شرفها.
في النهاية؛ نحن نفعل ذلك ونهتم بأنثى رقصت على مركب وأخرى فعلت كذا، وثانية لم تفعل كذا، نتيجة فراغ كبير أصبحنا نحياه، جعل كل منا رقيب الآخر لكن هو يفعل ما يحلو له في الخفاء، في الظلام، المهم ألا تنزعجك وتحافظ على فراغك الداخلي في أمان وسلام، لأن الأهم هو أعصابك يا أخ.