سلايدرلايف ستايل

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالأمراض قبل حدوثها بـ20 عاماً

في إنجاز علمي غير مسبوق، أعلن فريق بحثي عن تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالأمراض قبل حدوثها بعشرين عاماً، في خطوة قد تغيّر مستقبل الطب الوقائي حول العالم، الفريق من جامعة وورِك البريطانية بالتعاون مع جامعة نيويورك

النموذج الجديد الذي أُطلق عليه اسم «دلفي-2 إم (Delphi-2M)» يستطيع تحليل التاريخ الصحي الكامل لأي إنسان، ورسم خريطة تنبؤية دقيقة لمسار صحته المستقبلية، مما يسمح للأطباء بالتدخل قبل ظهور الأعراض بسنوات طويلة.

الذكاء الاصطناعي يرسم خريطة الأمراض المستقبلية

نُشرت نتائج البحث في مجلة «نيتشر ميديسن (Nature Medicine)» بتاريخ 1 أكتوبر 2025، وأشادت بها الأوساط الطبية العالمية بوصفها نقطة تحول في الطب التنبؤي (Predictive Medicine).
فبدلاً من معالجة المرض بعد ظهوره، يتيح النموذج الجديد التدخل الوقائي المبكر، ما قد ينقذ ملايين الأرواح حول العالم.

◄| نموذج «دلفي-2 إم» يفتح آفاقاً جديدة للطب الوقائي في العالم

من هم وراء الابتكار؟

شارك في تطوير «دلفي-2 إم» ثلاثة من أبرز الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي والابتكار الطبي:

  • ناتاليا ليفينا: أستاذة في مدرسة وورِك للأعمال وباحثة زائرة بجامعة نيويورك، متخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المعقدة.

  • هيلا ليفشيتز-أساف: خبيرة في تفاعل الإنسان مع الخوارزميات، وساهمت في تطوير أطر أخلاقية لدمج الذكاء الاصطناعي في القرار الطبي.

  • جواو سيدوك: أستاذ الذكاء الاصطناعي بجامعة نيويورك، مختص في بنية الشبكات العميقة (Deep Learning) ونماذج المحوّل (Transformer Models).

يمثل هؤلاء الباحثون مزيجاً بين التقنية والخبرة الطبية والرؤية الأخلاقية لكيفية إعادة تشكيل الرعاية الصحية في المستقبل.

كيف يعمل نموذج «دلفي-2 إم»؟

استند النموذج إلى تحليل بيانات 403 ألف شخص من قاعدة بيانات «المصرف الحيوي البريطاني (UK Biobank)».
يعتمد النظام على مجموعة من العوامل مثل:

  • الجنس عند الولادة

  • مؤشر كتلة الجسم (BMI)

  • عادات التدخين والكحول

  • التاريخ المرضي الزمني

حقق النموذج دقة بلغت نحو 70% (AUC 0.7) في التنبؤ بالأمراض المستقبلية، كما أثبت فعاليته عند اختباره على بيانات من المصرف الحيوي الدنماركي، ما يؤكد قدرته على التعميم عبر مجتمعات مختلفة.

تقنية مستوحاة من ChatGPT

يعتمد «دلفي-2 إم» على شبكات المحوّل (Transformer Networks)، وهي التقنية ذاتها المستخدمة في النماذج اللغوية العملاقة مثل «تشات جي بي تي (ChatGPT)».
لكن بدلاً من تحليل النصوص، يقوم بتحليل الخط الزمني الصحي لكل شخص، وكأنه يقرأ قصة حياة طبية كاملة، ليكتشف أنماطاً خفية في تسلسل الأمراض عبر الزمن.

هذه القدرة تتيح للنموذج التنبؤ المبكر بالأمراض المعقدة، وربط الحالات التي تبدو غير مرتبطة ببعضها، وهو ما يصعب على الأطباء ملاحظته يدوياً.

مفتوح المصدر ويحافظ على الخصوصية

من أبرز مميزات «دلفي-2 إم» أنه نموذج مفتوح المصدر (Open Source)، ما يعني أن المؤسسات البحثية يمكنها استخدامه وتطويره دون المساس بخصوصية المرضى.
ولتحقيق ذلك، يستخدم الفريق تقنية البيانات التركيبية (Synthetic Data) التي تحاكي البيانات الحقيقية دون الكشف عن معلومات شخصية.

كما يتميز النموذج بخفة استهلاكه لموارد الحوسبة، مما يجعله مناسباً حتى للدول النامية والمراكز الطبية محدودة الإمكانات، وبالتالي يعزز عدالة الوصول إلى التقنيات الصحية المتقدمة.

وعود كبيرة… وأسئلة أخلاقية معقدة

رغم دقة «دلفي-2 إم» العالية، إلا أنه لا يزال في مرحلة البحث، ولم يُعتمد بعد في الاستخدام الإكلينيكي المباشر.
ويواجه النموذج عدة تحديات، منها:

  • تمثيل البيانات للسكان من خارج أوروبا.

  • ضمان عدم إساءة استخدام التنبؤات في مجالات مثل التأمين أو التوظيف.

  • الحفاظ على الخصوصية عند إدخال البيانات الشخصية مستقبلاً.

ولتقريب الصورة، تخيّل أن امرأة في الأربعين من عمرها أدخلت بياناتها الصحية في نسخة مطوّرة من النموذج، فتنبّأ بإصابتها المحتملة بجلطة قلبية بعد 12 عاماً. هذا التحذير المبكر قد ينقذ حياتها، لكنه في الوقت نفسه يثير سؤالاً جوهرياً:
هل نحن مستعدون نفسياً لمعرفة مستقبلنا الصحي؟

نحو عصر جديد من الطب التنبؤي

يمهّد «دلفي-2 إم» الطريق لعصر جديد ينتقل فيه الطب من علاج الماضي إلى استشراف المستقبل.
فالذكاء الاصطناعي لا يفرض قدراً، بل يقدّم احتمالات يمكن للإنسان أن يتعامل معها بوعي ومسؤولية.

كما يقول سقراط: «اعرف نفسك، تعرف مستقبلك».
واليوم، بفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكاننا أن نعرف أجسادنا بشكل أعمق، ونفهم المخاطر قبل أن تتحول إلى أمراض.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل سنستخدم هذه المعرفة للوقاية.. أم سنحوّلها إلى عبء نفسي جديد؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى