حكايا ناسسلايدر

مولد السيد البدوي.. حيث تختلط الدموع بالإنشاد بين الروحانية والجدل

مولد السيد البدوي في مدينة طنطا، بمحافظة الغربية في وسط دلتا مصر، حيث تتقاطع المآذن مع خيوط النور، وحيث تفوح رائحة البخور في الأزقة القديمة، اكتظت الساحات بالآلاف من الزائرين والمريدين الذين جاؤوا من كل أنحاء مصر ليحيوا مولد العارف بالله سيدي أحمد البدوي.
أسبوع كامل من الابتهالات والأذكار والابتهاج الروحي، اختتمه صوت المنشد الكبير الشيخ ياسين التهامي، الذي تحوّل ظهوره إلى طقس ينتظره العاشقون كل عام بشغفٍ لا يخبو، في الليلة الكبيرة التي يجتمع بها البشر بالآلاف، وهي ليلة الجمعة.

مولد السيد البدوي.. أجواء المديح

مولد السيد البدوي
مولد السيد البدوي

في الليلة الكبيرة أو الختامية، امتلأت ساحة المسجد الأحمدي عن آخرها، وبدت طنطا كأنها مدينة لا تنام.
تعلو الأصوات بـ«مدد يا بدوي»، وتتمايل القلوب قبل الأجساد في حلقات الذكر، بينما تتردد المدائح النبوية في الأرجاء، فتغدو الساحة مزيجًا من الدموع والابتسامات، من الدعاء والرجاء.

وحين صعد الشيخ ياسين التهامي إلى المنصة، خيّم الصمت على المكان.
صوته لم يكن أداءً فنيًا فحسب، بل كان حالةً من الصفاء والوجد، يمتزج فيها الإيمان بالفن، ويغدو الإنشاد صلاةً جماعية تهز القلوب قبل أن تطال الآذان.
أنشد التهامي «يا حضرة النبي»، و«أكاد من فرط الجمال أذوب»، و«سالت شفاعتك فينا»، فبكى الحضور، وهتفوا، وتمايلوا مع كلماته في مشهدٍ روحاني يندر أن يتكرر.

الشيخ ياسين التهامي
الشيخ ياسين التهامي

تنظيم أمني عالي

ورغم الأعداد الغفيرة التي احتشدت في أرجاء المسجد وصحنه الداخلي والخارجي، ساد التنظيم الدقيق والتأمين الكامل.
تواجدت فرق الإسعاف والنجدة، ورجال الأمن، وعمال النظافة، لتبقى الليلة خالصةً لله، تسودها السكينة والنظام.
وتابع اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، الأجواء ميدانيًا، شاكرًا الأجهزة التنفيذية والأمنية على جهودهم في تنظيم الحدث بما يليق بمقام السيد البدوي ومكانة طنطا كوجهةٍ للزائرين من داخل مصر وخارجها.

جدل وتناقض

الآلاف في مولد السيد البدوي
الآلاف في مولد السيد البدوي

غير أن المولد – كعادته كل عام – لم يخلُ من الجدل.
فبينما يراه البعض احتفاءً بالمحبة الإلهية والتصوف النقي، يرى آخرون فيه ممارسات تحتاج إلى مراجعة وضبط.
يقول الدكتور أسامة قابيل، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية، إن «السيد أحمد البدوي من أولياء الله الصالحين الذين عُرفوا بالزهد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة»، مؤكدًا أن التصوف الصحيح «هو مقام الإحسان الذي علّمه النبي ﷺ، وأنه لا يعرف الغلو ولا الخرافة، بل هو تهذيبٌ للقلب وسلوكٌ إلى الله».

وفي المقابل، علّق الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بأن «هذه المظاهر تنتمي إلى طرقٍ صوفيةٍ منظَّمة، تسعى للحشد لا للعبادة الخالصة»، معتبرًا أن بعض الطقوس قد ابتعدت عن جوهر التصوف القائم على ربط الإنسان بربه لا بشخصٍ أو ضريح.

لكن، وسط كل هذا الجدل، يبقى مولد السيد البدوي حدثًا إنسانيًا بامتياز.
هو مساحة يلتقي فيها الناس على اختلافهم، يأتون بقلوبٍ مثقلة بالأمنيات، يبحثون عن لحظة طمأنينة، أو دعاءٍ صادق، أو نظرة رضا.
في حضرة البدوي، تتلاشى المسافات بين الأرض والسماء، ويصبح الإيمان لغةً مشتركة لا تحتاج إلى ترجمة.
فهنا، في قلب طنطا، تُصلي القلوب قبل الألسنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى