
أقف أمام الشاشة، أي شاشة.. يتوقف عقلي وأنا أفكر.. أحاول أن أتذكر.. إبحار داخل الذاكرة.. يا رب أيهم؟ هل هو باسورد اللاب توب، أم كمبيوتر العمل، البريد الإليكتروني الشخصي أم الخاص بالعمل؟.. لوحة نظام العمل أم الجي ميل؟
هل هو باسورد فيسبوك أم انستجرام؟ هل هي الـ6 أرقام الخاصة بهاتفي أم بباقي التطبيقات الأخرى.. ينصحوننا بأن نغير الباسورد كل فترة، وألا تكون نفس كلمة السر للتطبيقات نفسها.. حتى لا نصبح عرضة للسرقة بالجملة.
فهل أغير الباسورد لبصمة أم شكل هندسي “Patern”؟.. لا أستطيع أن أقرر.
نادر عيسى يكتب: أمال مين اللي هينضرب!
لأني لا أستطيع أن أتذكر بالضبط.. ماذا أضع من حروف كبيرة وصغيرة وأرقام وعلامات خاصة، قررت أن أهدأ وآخذ نفسًا عميقًا، كي أستطيع التركيز.. حتى أصل إلى الباسورد الصحيح.. لأن عدد المحاولات محدودة وتتناقص واحدًا تلو الآخر، كما لو أنني أفكك قنبلة موقوتة مزروعة في قميص ناسف حول صدري.
يطلبون مني أن أصنع باسورد أو كلمة سر صعبة جدًا على الاختراق، فجعلتها أيضًا عصية على التذكر، بالغت في جعلها صعبة متقمصًا دور المحترف الإليكتروني، عدو الهاكرز وصائد المخترقين ولصوص الحسابات الإليكترونية، لكن في النهاية وجدتني كعجوز أكل ألزهايمر تلافيف عقله يحاول أن يحصل على علامة من السماء تقوده إلى هذا الباسورد.
كلما بالغت في تعقيد الباسورد ستجد يومًا عصيبًا، ابتعد عن نهجهم وكن أنت كما أنت بسيط ومحدد
هل هي تلك التي كانت على اسم لاعبي المفضل في الزمالك؟ لأ فرجاني ساسي رحل من سنين ورفع علينا قضية كمان، أم أنها تلك التي وضعتها العام قبل الماضي على اسم أحد الأفلام التي شاهدتها، أم أنها على اسم الدلع الخاص بي، حتى وإن حدث وتذكرت فأي أرقام كتبتها، هل سيكون عام مولدي أم العام الميلادي الذي نعيش فيه، أو بالأحرى العام الذي مزجت فيه مكونات الباسورد، فمثلا كلمة السر تلك لو كنت وضعتها العام قبل الماضي فممكن أن يكون الرقم 2023 أم 2024.
جاءت في خيالي كمية الباسورد وكلمات السر والأرقام السرية التي أحفظها، ومن دونها قد تتحول حياتي إلى جحيم حقيقي، تعدت 20 باسورد ورقم سري.. شعرت بثقل رهيب على وكأنها أصبحت عبئا ثقيلا، تأملت السخط والغضب والحيرة والقلق الذي ألاقيه جراء أن المحاولات تقل أمامي واحدة تلو الأخرى .. 3..2..1.
وبعد هذا سيتم إغلاق الحساب وسيتم معاقبتي على ذاكرتي الضعيفة، وأنا لن ألجأ أبدًا لتدوين كلمات السر الخاصة بي في ورقة وأضعها في محفظة، فلن أفعل ما كنت أعيش لكي أسخر من الناس وهم يفعلون مثله، ويكتبون أرقامهم السرية في ورقة ويحفظونها في مكان أمين، لأني وإن فعلت ذلك سأنسى ذلك «المكان الأمين»، وستصبح المشكلة أكبر وأكبر.
هل الأوميجا 3 الذي أتعاطاه “مضروب”؟، هذا واضح جدًا.
قررت ألا ألقي باللوم على نفسي أو على الأوميجا 3، أو حتى على مخترع كل تلك الأشياء التي تتطلب باسوردات وكلمات سر وأسلاك شائكة وكلاب بلدي وصفارات إنذار وأبواب مصفحة لتطبيقات ومواقع وبريد إليكتروني.
إنه العالم الذي قررت أن تحيا فيه، أو قررت أن تنضم إليه، فكم باسورد أو كلمة سر كان على جدي أن يحفظها؟، العالم بأسره كان يحتوي على كم باسورد عام 1950؟.
هل كانت الحياة تتطلب عام 1994 باسورد إلا في خزائن الأغنياء، التي كانت بكره تلف يمينًا ويسارًا، لماذا وضعت نفسي في هذه المتاهة التي لا تنتهي؟، لماذا قررت أن أخوض غمار عصر التكنولوجيا؟ لماذا أضع على نفسي أحمالًا ديجيتال ألا يكفيني حمل الطريق الدائري 5D يوميًا.
لا يوجد خلاص أو طريق للخروج، استمتع فقط بالمتاح من دون باسورد، حاول أن تجعل نفسك وحياتك أبسط وأبسط، لا أن تضع فيها حروف صغيرة وكبيرة وأرقام وعلامات خاصة، كل هذا سينتهي في وقت محدد، من عقلك أو من الافتراض المفترض على فضاء الانترنت.
كلما بالغت في تعقيد الباسورد ستجد يومًا عصيبًا، ابتعد عن نهجهم وكن أنت كما أنت بسيط ومحدد، واترك ما لا تحتاجه إلى ما تريده، وارحل إلى حيث تكون أنت بسيط، من دون “باسورد”.



