رأي الناس
أخر الأخبار

نادر عيسى يكتب: خايفين على السيستيما

بعد عبوري الأول للبحر الأبيض المتوسط، وأثناء زيارتي لبلاد الإسبان وفي مدينة برشلونة أو كما يدعوها الإسبان برثيلونا، وقفت انتظر الأوتوبيس، الذي تبقى على موعده دقيقتين بحسب ما يخبرني به تطبيق المواصلات الخاص بالمدينة وساعة محطة الانتظار أيضاً، وصل الأوتوبيس وما إن وضعت قدمي داخله، حتى فوجئت بسيدة عجوز جداً، تقف أمامي وتصرخ.. تضع يديها الاثنتين كما تمثال المسيح، ترفض أن أدخل إلى الحافلة، وتتحدث بالإسبانية التي لا أجيد منها سوى جمل وكلمات التعارف والأرقام وبعض الطلبات في المطاعم.
وقفت شارداً أنظر لها، حتى أتى رجل آخر وقال لي: انت تركب من الباب الخاطئ.. هذا باب النزول.. باب الصعود من الأمام بجانب السائق.. فسخرت منه قائلاً «لو على ثمن التذكرة تاخدوها بس محدش يكلمني بالطريقة دي خالص».. وشرحت له أن لدي تذكرة لركوب المواصلات العامة في المدينة طوال اليوم، نظر لي الرجل وقال: مش موضوع تذكرة ده السيستم. النظام.. كلنا لازم نمشي عليه.
اضطررت للنزول من الأوتوبيس والذهاب إلى الباب الأمامي.. بعد أن لاحظت توتر السائق وهو ينظر لي في المرأة أكثر من مرة، ركبت مرة أخرى وأخرجت التذكرة للسائق، فنظر فيها وأشار إلى بإبهامه رافعاً إياه لأعلى.. دخلت فوجدتني أقف أمام نفس السيدة التي وقفت أمامي مرة أخرى، وإذ بها مرة أخرى تتمتم بكلمات غريبة. ضمنها «سيستيما» أكثر من مرة.
جلست باقي الطريق حتى المكان الذي نزلت فيه، وأنا أشعر أن الجميع ينظر إلىّ ويقولون لبعضهم البعض: هذا الوغد جاء إلى بلادنا كي يخرب النظام «السيستيما». فجلست وكأني «مجرم هارب من العدالة» طوال الطريق. وما إن وصلت إلى محطتي وأنا أهم بالنزول من الباب المخصص للنزول هذه المرة. قلت لها بالإسبانية: آسف .. ديسكولبيه. فأشاحت بوجهها وأشارت بيدها بمعنى «خلاص محصلش حاجة.. بس متعملهاش تاني».
انتهت الرحلة لكن بعدها وطوال الأيام وهذه السيدة العجوز لا تفارق تفكيري، ما الذي دفعها لأن تترك مكانها وتقف أمامي بكل همة وحزم وغضب حتى تمنعني من ركوب الأوتوبيس؟، ولو كنت ركبت الحافلة من هذا الباب ما الذي قد يحدث؟ هل ستنتهي أسطورة العرق الإسباني في العالم؟، هل سيتراجع دخل الفرد والناتج الإجمالي المحلي لإسبانيا؟، هل سيمنعون إسبانيا من المشاركة في كأس العالم؟ هل يترك ميسي برشلونة وكريستيانو رونالدو ريال مدريد؟ «وقت الواقعة كانا لا يزالان في الأندية تلك».. هل سيتم تنكيس العلم الإسباني؟ هل سيتم إعلان الحداد في عموم القطر الإسباني؟ إيه التحبيك ده؟ خلاص يعني..
لكني اكتشفت في النهاية؛ أنه السيستيما أو النظام الذي يجب على الجميع الحفاظ عليه، الجميع بمعنى الجميع، ليست الحكومة ولكنه الشعب نفسه. يجب أن يكون مقتنعاً أن هذا النظام أو السيستيما يمثله. وبه منافع كثيرة له. وفي الحفاظ عليه نجاة وفي عدم تطبيقه أو خرقه أضرار ستجعل كل شيء في فوضى عارمة. بعدها لن تقوم له قائمة مرة أخرى.
وفي كل مرة أحاول أن أتقمص شخصية تلك السيدة العجوز – الرشيقة في الوقت نفسه- في أي مكان في مصر، أجد الناس ينظرون لي كأني صوت الضمير الذي يجب أن يموت، لا أحد يتفاعل معك أو يقف بجانبك أو بجانب الحق أو النظام أو السيستيما، «عديها يا باشمهندس.. مش هيحصل حاجة» أو «ده راجل غلبان وعنده عيال». هؤلاء اقتنع بهم وبمنطقهم الخاطئ إلى حد ما. فهم يحبون أن يكونوا منافقين. لكن الذين أريد أن اقتلع رؤوسهم وأخرج أكبادهم أولئك الذين يأتون إليك بعد أن يكون المولد قد انفض. والخناقة خلصت. ليقولون لك هامسين خائفين: برافو عليك.. هو ده الصح.. لو كل واحد عمل كده.. البلد هتبقى أحسن.. لأرد بكل برود: وحضرتك معملتش كده ليه؟ بلاش موقفتش معايا وزعقت ليه؟.
في النهاية؛ يجب أن تحدد موقعك في السيستم، هل تحب أن تحافظ عليه؟ أم أن قلب الصغير لا يحتمل ومن عشاق أن تكبر مخك ونزق مع بعض اليوم عشان يعدي.. ولو على السيستم نجيب واحد جاهز من التوكيل.

 

اظهر المزيد

نادر عيسى

مؤسس ومدير المحتوى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى